كان في كل صباح تشرق الابتسامة على محياه،على
عكس كل مرة التي كانت تغرب فيها،وما إن تدخل
عليه زوجته،لتقدم له وجبة الإفطار ،تراه قد أنهى
مكالمة هاتفية ما،وينظر طويلا إلى ذلك الاسم
المكتوب في جواله،ومن تلك صاحبة الاسم لا تدري!؟.
اشتعلت هي غيرة،عكسه هو يشتعل بالسعادة،فلم يكمل
وجبة الإفطار وقرر المغادرة سريعا ولم يلتفت إليها،
زاد الشك لديها فأصبح كالبنزين،والغيرة نار وضعت
بجانب البنزين فاشتعلت غضبا،فكادت أن تلحق
وتصرخ عليه ولكنها تمالكت نفسها قليلا،وركضت
نحو عرفتها وأخذت تتأمل صورته وتبكي بحرقة وهي
تردد:من التي خطفتك مني؟
من هي؟
حتى أذهب إليها وأمحيها من الوجود.
وفي نفس اليوم تأخر عن وقت عودته للمنزل،وظلت
تنتظره والغيرة والشك يكادان يقتلانها،وانتصف الليل
ولم يعد بعد،وظلت تنتظر حتى غلبها النعاس فنامت
وحين استيقظت وجدت نفسها مغطاة بغطاء الفراش
وزوجها كان قد نام قليلا واستيقظ على غير المعتاد
يعد الفطور،ظلت تنظر إليه باستغراب،تقول وهي تسخر
منه:أراك قد استيقظت على غير المعتاد،تعد الفطور
والابتسامة من الأمس لم تفارقك،ما الذي يحدث معك؟
هيا أخبرني!.
قال لها :أنا اليوم سعيد جدا!.
هيا يا عزيزتي تعالي لنفطر سويا،أظن أنك بالأمس
نمت من دون أن تتناولي عشائك.
ردت عليه:وما شأنك أنت؟!.
لم أتناول شيء ولن أتناول أي لقمة أبدا.
شعر الزوج بالاستفزاز من هذا الرد،فحاول أن يكون
هادئا وقال لها: أرجوك!
اهدئي يا عزيزتي.
ردت عليه :لا تقل يا عزيزتي،أنا لا أدري كم عزيزة لديك
يا...
ولم تكمل تلك الكلمة حتى فهم زوجها ماترمي
إليه،فتركها غاضبا،ولم يتكلم معها ولو بكلمة واحدة،
وغادر من فوره.
قالت في نفسها:لعله ذهب ليقابلها،لن أفوت الفرصة
سأتبعه الآن لأتأكد بنفسي وأريح قلبي.
وفعلا ظلت تتبعه إلى أن رأته قد أوقف سيارته بجانب
منزل غريب وليس في مكان عمله،وخرج من سيارته
واللهفة قط خطفت ملامح وجهه،وركض نحو الباب
وطرقه عدة طرقات متتالية شوقا لمحبوبته،وفعلا فتح
الباب له،ولكنها لم تستطع أن ترى وجه من فتح الباب
له،حينها بدأ قلبها يغلي بتلك المشاعر المختلطة من
الألم،والغيرة،والغضب،والحزن،وكل شيء مرير ،
خرجت من سيارتها غاضبة،وهي تنوي بأن تقلب الدنيا
على رأسه وعلى رأس من هي معه،طرقت الباب حتى
كادت تخلعه من مكانه،ففتح لها هو الباب،فتفاجأ
بحضورها،فقالت له:مفاجأة من العيار الثقيل!.
ووقعت فيه سبا ،وشتما وتجرأت على صفعه،وما إن
التفت يمينا،حتى تفاجأ بوجود امرأة كبيرة في السن
تنظر إليها متعجبة،شعرت الزوجة بالخجل وسألته:من
هذه؟.
قال لها:إنها جنتي،إنها أمي التي لم أراها منذ أن كنت
طفلا صغيرا،فقد حرمنا والدي من رؤيتها،وبطريقة
ما تمكن أخي الأكبر من إحضارها زيارة إلى هنا،وأنا
قمت باستئجار هذا المنزل خصيصا لها،وهي من ظننتي
بأنني أخونك معها.