زراعة الأمل
ربما لا تكون الأجمل ولا هي الأغنى، ربما لم أنل منها الحنان الذي كنت أتمناه، ربما كنت أنتظر منها أن تكون أكثر عدلا وإنصافا بين أبنائها، أغضب منها حيناً، أو أضجر منها أحيانا، ولكنني وبمجرد أن أغيب عنها أشعر بحنيني إليها، أتمنى لو تضمني لأشكو منها إليها، أحلم بحضنها، أحن لخبزها، أشتاق لليالي سمرها حين كانت تجمعنا مع الأهل والأصدقاء يقولون إنها شاخت وهرمت يقولون إنها ضعفت ووهنت، ولكنها ستظل دائماً في عيوني الأجمل والأفضل لأنها هي وحدها ..الأم، هي الوطن ..
ومنذ طفولتنا ونحن ندرس ماذا تعني كلمة وطن، من دروس التاريخ والجغرافيا أدركت عقولنا معناها، ومن حصص الرسم والموسيقي، ومن حليم وثومة ومن حبيبتي من ضفائرها طل القمر لسيد حجاب والشريعي ومن محمد فؤاد ومنير عرفنا يعني إيه كلمة وطن.
والحقيقة أنني لم أتوقع أن يأتي يوم أستمع فيه لأغنية تقول «الوطن هو ناس من غير سكن ومجتمعه مثل الرصيف القذر (وأعتذر عن هذا اللفظ) رغم أنه أقل وطأة من اللفظ الأصلي الذي ورد بأغنية المطربة التي اختارت تلك الأغنية لتمثل بها مصر ضمن فريق موسيقي من دول أفريقية أخرى كلٌ يغني بلغته ويعبر عن بلده وأشك كثيرا أن أغاني أي منهم كانت تهجو بلادهم مثلما فعلت åí في أغنية يعني إيه كلمة وطن التي مسختها وحولتها من أغنية تثير العواطف والشجن، إلى أغنية تثير الضيق والسخط، البعض يقول الشباب معذور في أن تكون هذه هي أفكارهم وأغانيهم، فما يعانونه من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية جعلهم يكفرون بالقيم التي تربت عليها الأجيال السابقة، وكأن الأجيال السابقة ليس بها عبد الرحمن الأبنودي ، وأحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام والشاعر نجيب شهاب الدين، فرغم معاناتهم ورغم الألم والمحن والسجن والقهر عندما غنوا للوطن قالوا «يا مصر قومي وشدي الحيل كل اللي تتمنيه عندي لا القهر يطويني ولا الليل أمان أمان بيرم أفندي»٫
فلنسخر ولننتقد ولكن دون أن نكسر صورة الوطن، وللمدافعين عن حرية التعبير الذين يتخذون من أمريكا المثل والقدوة أقول تعلموا من الأمريكان ففي أغانيهم وأفلامهم قيم الوطن لا تمس، فالمارينز بطل والعلم مقدس والمجد لأمريكا في كل الأغنيات.
الناس في مصر فقدوا ثقتهم في كثير من الشخصيات العامة وفي الإعلام وهم في حاجة إلى من يوقظ فيهم الهمم، أن يعيد لهم قيم الانتماء وليس هناك أفضل من الأغاني للقيام بذلك، فلنحاول أن نزرع بها الأمل بدلا من أن نهدم بها الوطن.