عندما جاء الشافعي إلى المدينة، وكان قد بدأ الدراسة في مكة،
ثم جاء إلى المدينة وهو في سن الثانية عشرة، ليقرأ الموطأ على مالك ،
واستضافه في بيته،
وكانت ابنة مالك تسمع من أبيها: الشافعي جاء الشافعي ذهب، ويثني عليه لذكائه وحكمته وحرصه على طلب العلم.
فلما استضافه مالك يوماً من الأيام،
قالت: اليوم سأرى كيف عبادته،
فقدمت العشاء ثم أحضرت الوضوء،
فلما جاءت في الفجر لتعطيه ماء للوضوء لصلاة الفجر، وجدت ماء الوضوء الذي وضعته له بعد العشاء، لم يمسه، ولم يكن هناك غيره،
فلما أصبحت قالت لأبيها: تقول لي: الشافعي الشافعي وما أفعاله بأفعال طلبة العلم!
قال: ولماذا؟
قالت: قدمنا له العشاء فأكل كثيراً وليس هذا من صفة طلبة العلم،
وأحضرنا له الماء في إناء ليتوضأ ويقوم من الليل ويصلي، فما توضأ ولا صلى ركعة،
قال: سأسأله عن هذا!
فلما أصبح سأله
، قال: نعم،
أما كثرة الأكل، فإني منذ خرجت من عند أمي
(-أمه هي التي ربته وسبحان الله!
مالك أيضاً أمه التي ربته؛ لأن أباه خرج في الغزو،
وكذلك أبو حنيفة و أحمد رحمهم الله جميعاً- )
قال: منذ خرجت من عند أمي
(-وكان في غزة- )
ما شبعت من طعام قط؛ لأني أتحرج من الحرام، ولما جئت إلى بيت مالك ، وهو إمام دار الهجرة، علمت أنه يتحرى الحلال، فأردت أن أشبع بالحلال فأكلت كثيراً، أما عدم الوضوء في الليل فإني لم أنم، ولم ينتقض وضوئي للعشاء، وصليت الفجر بوضوء العشاء،
قال: ولماذا؟ ما الذي أزعجك أو أقلقك ولم تنم؟
قال: حينما جئت إلى المدينة، صرت أمشي في طرقاتها وأتذكر الماضي وأقول: من هنا خرج رسول الله، ومن هنا جاء رسول الله، وهنا أوقفته العجوز، وهنا كلم الغلام
إذ مر على غلام صغير معه طائر نغري،
( وهذا الطائر معروف بكثرة عند أهل المدينة،)
وكان يلعب به، ثم مات الطائر، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد الطائر قد مات، والطفل يبكي عليه، فقال له: ( يا أبا عمير ! ما فعل النغير؟ )
( أبو عمير هذه كناية، فكناه وهو صبي ليس له ولد،)
فأخذت أتفكر في هذه العبارة: ( يا أبا عمير ما فعل النغير؟ )
( ومعلوم أن المدينة محرم الصيد فيها،)
قال: فاستخرجت من هذا الحديث أربعين مسألة فقهية!! منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كنى هذا الغلام بما لم يولد له،
فكذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كنيت بـ أم عبد الله وهي لم تلد قط