من روائع القصص
الجدار الأصم
منقول بتصرف
***
في أحد المستشفيات
مريضان هرِمَان في غرفة واحدة
المرض والهرم أخذ منهم كل مأخذ
أحدهما
مسموحاً
له بالجلوس في سريره
لمدة ساعة يوميا بعد العصر
ولحسن حظه , السرير بجانب النافذة الوحيدة
الآخر عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت
المريضان يقضيان وقتهما في الكلام
تنساب السعادة في الأجواء
كرائحة العطر الندي
ودون أن يرى
أحدهما الآخر
***
حديثهما
روح للروح يسري
بلا عناء
عن الماضي وجماليته
وأهدابه ترسم أجمل الصور
ويُسرّ الجميع
رغم مرارة العلاج والدواء
***
وفي كل يوم بعد العصر
الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب
وينظر من النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجي
وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول
ولما لا وحياته مفعمة بالحيوية بهذه المناظر الرائعة
ويستمع ويستمتع لوصف صاحبه للحياة خارج هذا المكان:
ففي الحديقة الرائعة , تظهر بحيرة كبيرة تسبح فيها طيور البط
والأولاد صنعوا زوارق من مواد مختلفة وبألوانٍ زاهية
وأخذوا يلعبون
ورجل يؤجِّر
مراكب الصغار
ويقدم الناس ليبحروا
في الزوارق السياحية المتجولة
خلال أرجاء البحيرة الجميلة الرائعة
الممتدة عبرالسهول المقابلة للمشفى
النساء والرجال والأطفال سعداء بروعة الشواطئ
والجميع يتمشى , وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار
وبجانب الزهور ذات الألوان الجذابة
السماء بديعة تسر الناظرين
***
كم هم سعداء
نزلاء هذا المشفى
أليس كذلك
!!؟؟؟!!
***
فيما يقوم الأول بالوصف
ينصت الآخر في ذهول
لهذا الوصف الدقيق الرائع
ثم يغمض عينيه ويبدأ تصور
ذلك المناظر البديعة للحياة
خارج المشفى
***
وفي أحد الأيام
وصف
عرضاً عسكرياً
ورغم أنه لم يسمع
عزف الفرقة الموسيقية
إلا أنه كان يراها بعينيّ عقله
من خلال دقة الصف
***
ومرت الأيام والأسابيع
وكل منهما سعيد بصاحبه
الممرضة صباحاً
كعادتها سعيدة
مبهورة بهما
إلا أن هذا اليوم
تغيرت نبراتها
ولم تبدي إعجابها
المعتاد
***
المريض
بجانب النافذة قضى نحبه
ولم يعلم الآخر بوفاته
إلا من خلال حديث الممرضة
وهي تطلب المساعدة لإخراجه من هنا
فحزن على صاحبه أشد الحزن
***
طلب من الممرضة
أن تنقل سريره إلى جانب النافذة
ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه
ولما حانت ساعة العصر
وتذكر الحديث الشيق
الذي كان يتحفه به صاحبه
انتحب لفقده
وحتى أن دموعة
رق لها كل قلب سمعه
نعم قرر أن يرى
ما كان يصف له
الصاحب المميز
عليه رحمة الله
***
و قرر أن يحاول الجلوس
ليعوض ما فاته في هذه الساعة
وتحامل على نفسه وهو يتألم
ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه
ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار !
وجهه ببطء شديد تجاه النافذة
لينظر العالم الخارجي
وهنا كانت المفاجأة!!
لم ير أمامه إلا جداراً أصم
نعم الجدار الأصم
من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة
على ساحة داخلية
***
**
*
الممرضة في حيرة من سؤاله
إن كانت هذه هي نافذة صاحبه
فأجابته نعم هي نافذة صاحبنا
!!
فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة
وتذكر ما كان يرى صاحبه عبر النافذة
وما كان يرى من خلالها
وقالت
:
والمتوفى عليه رحمة الله تعالى
أعمى لم يبصر يوما في حياته
نعم أعمى البصر ولكنه شديد البصيرة
ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم
ولعله أراد أن يجعل من حياته
وحياة الآخرين
وهذا المشفى وغرفته
واحة سعادة
وبحيرة وحياة جميلة رائعة
وعليه رحمة الله يطارد
أشباح اليأس التي تتسلل
إلى المكان الذي تتواجد
روحه وقلبه المبصر
***
**
*
وقالت الممرضة
هناك من المرضى
يحضّر سعادة زواره
ويرسم على وجوههم
إبتسامات وضحكات
وسعادة لا توصف
بحسن كلامه
ورجاحة عقله
وصبره
***
قمة السعادة
أن تجعل الآخرين سعداء؟
***
الناس في الغالب
ينسون ما نقول
وفي الغالب ينسون
ما نفعل
ولكنهم لن ينسوا أبداً
المشاعر التي
أصابتهم من قِبلنا
***
**
*
شعارنا
وصية الله تعالى
"
وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْنًا
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ
"
"
مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً
وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(245)