عند الباب ودعته بابتسامة ممزوجة بالدموع..كانت خطاه تبتعد شيئا..فشيئا حين لوحت له بيدها متمنية الحظ الطيب ان يرافقه دائما..ارتدى نظارته السوداء وحقيبة السفر تشغل يده اليسرى..ابتسم لها قبل ان يصعد الى السيارة التي كانت بانتظاره..وهو يعض على شفتيه كي يقاوم الرغبة بالبكاء(هي المرة الاولى التي سيغيب عن عيينيها عدة اشهر!!
اشتد ازيز الرصاص..ومعه نوبات خوفها والمرض تزداد لحظة بعد اخرى...
بصبر عسير على النفس احتماله انتظر رسائلها الدافئة بالحنان..العابقة بالامل...
ما ان تكون رسائلها ملك يمينه حتى يلتهم احرفها بنهم ولهفة..بعد ان يسكب على الباب امنيات صادقة ان لايقطع عليه احد خلوته الهانئة تلك...
كأنت كلماتها تمثل له مداد الحب..وينبوع السعادة المتدفق!!
يمتطي دقات قلبه ويسابق الريح..ثم بيد راجفة واوصال خائرة يتناول بريده الخاص اسبوعيا!!
كم يبدو الوقت سريع المرور حين تلمس انامله حروفها الباكية والشاكية لوعة الشوق ومواعيد الانتظار!!
دقت الثامنة صباحا..من يوم الخميس..الموعد الثابت مع ساعي البريد من كل اسبوع!!
انزلقت خطواته برشاقة فوق سلالم المبنى القديم..تكاد دقات قلبه تخرج من صدره من شدة الحنين..تناولها بخفة من يد ساعي البريد متعجلا بالتحية والانصراف من المكان..
صعد السلالم بخطى كبيرة..مجتازا بكل خطوة ثلاث درجات من السلم!!
ادار قفل الباب وجلس على سريره يفظ الظرف كعادته يقبله مرارا بعد ان تبتلع الدموع بعض احرفه..
استوقفته بعض الاحرف الكبيرة على الغلاف..لم تكن مرتبة بدت وكأنها خربشات طفل يتعلم الكتابة للتو..كانت مريبة بمايكفي لنشر الخوف والذعر بين جدران مخيلته التي تضرم فيها نيران القلق والشوق على حد سواء في كل لحظة!!
فتحته متعجلا الاجابة عما يعتمل في الخاطر من دوامة تدور من الاسئلة دون توقف مشوش التفكير..
مازالت الحرب قائمة..وازيز الحرب يطرق النوافذ..وارصفة الطريق..ليل نهار.. زمن الحرب هو زمن الموت..فكيف لثائرته ان تهدأ قليلا؟؟
شارة سوداء علقت في اعلى يمين الرسالة..نذير الشؤم كان الاسرع قدوما من بشير انتظره على احر من الجمر!!
لم تمتلىء الصفحة بعشرات السطور..بادق التفاصيل كيف امضت يومها بعيدا عنه..لم يجد
سوى ثلاث كلمات بخط يأن الما من وطأة الاحتضار:
(وداعا طفلي الصغير) بامضاء الحنان الدائم..
امك المحبة.
حدث ماكان يخشاه..اشتدت نوبات مرضها المزمن لتضعها لقمة سائغة في فم الموت!!
كم مقت نفسه على تلبية نداء العمل بعيدا عنها..كيف فعل ذلك تسائل بندم!..شعر بالحزن يمزقه اربا..وبدت الدموع حارقة حد الوجع..تمنى ان يوجه لنفسه الصفعات ..ان يشرب حد الثمالة مرارة فقدانها الى الابد..ارتفع صراخه عاليا بين جدران المبنى الآيل للسقوط(اماه لماذا تركتيني وحيدا؟؟!)