بسم الله الرحمن الرحيم
مع نُسيمات فجرٍ نديَّة، وبلابل بناتٍ وردية، في ذلك الصباح الجميل، تدافع التِّلميذات بحماس بالغٍ يتسابقْن؛ كيْ يحظيْنَ بمقدمة الطابور، ليس لهذا السبب فقط؛ بل لأن اليوم ستعلن مديرة المدرسة اسمَ الفائزة في مسابقة الرسم.
وأخيرًا وقفت المديرة أمام الحشد الهائل من التِّلميذات والمعلمات، وأمسكتْ بيدها الورقةَ لتنشر الاسم الفائز، ثم قالت:
أشكر تفاعلَكنَّ في مسابقة الرسم وسأعلن اسم الفائزة، وهي:
التِّلميذة: نجوى سعد من الصف الرابع، فلتتقدم لاستلام جائزتِها.
أقبلت نجوى - وهي تلميذةٌ موهوبة، وطفلة جريئةٌ - نحو المديرة واستلمتْ جائزتَها يحويها فرحٌ غامر، صفَّقَ الجميع لنجوى بحرارةٍ وسعادة.
وفي غرفة الصف انطلق التلميذات لتهنئة نجوى، من بين هذه الجموع كانت رغَد الطفلة الخجولةُ تقف بعيدًا وهي تتأمَّل تلك التهانيَ، كانت من شدَّة خجلها لا تعرف كيف تعبِّر عن مشاعرها السعيدة تجاه نجوى؛ فاكتفت بالنظر إليها متمنِّيةً لها كلَّ التوفيق والنجاح.
رنَّ جرس المدرسة معلنًا عن انتهاء اليوم الدراسي، ذهبتْ رغد إلى المنزل وهي تفكِّر في حل لمشكلتها؟! كانت تقول لنفسها: لا بدَّ أن أبارك لنجوى على فوزها، لكن كيف أفعل ذلك؟!
وفي المساء وبعد تفكيرٍ طويل وجدت الحل.
نهضتْ من مكانها، فتحتْ خِزانتها، وراحتْ تبحث عن أشياء لها قيمة، ثم انتقتْ بعضًا من الأقلام الملوَّنة، وربطات شعر مزخرفة، وخواتم نُحاسية جميلة، جمعتها في صندوقٍ صغير وقامت بتغليف الصندوق، بعد ذلك زيَّنت الصندوقَ بقليل من الورود المجففة.
حملتْ رغد الصندوق عاليًا باسمةً تقول: "هذا هو الحل، إنها أجمل هدية، لأجملِ رسَّامة".
في صباح اليوم التالي استيقظتْ رغد من نومها قلقةً، وفي ذهنِها ألفُ سؤالٍ وسؤال.
هل ستفرح نجوى بهديَّتي؟!
هل ستعجبها؟!
هل ستقبَلها؟!
وعند ساحة المدرسة، سارت رغد بخطوات ثقيلةٍ مترددة، فقد كانت خائفةً لا تدري كيف ستبدأ، بل كيف تتحدَّث مع نجوى.
وأخيرًا تشجَّعت وأسرعت نحوها، ثم قالت بصوت هادئٍ ناعم: "نجوى، أرجو أن تقبَلي منِّي هذه الهدية البسيطة بمناسبة فوزك في المسابقة".
أخذت نجوى الهدية في استغراب ثم قالت: "شكرًا لك، سأفتحها في حجرة الصفِّ".
وبعد مرور الوقت كانت نجوى مشتاقةً لتعرف ما بداخل الصُّندوق الصغير، وعند انتهاء الحصة وخروج المعلمة، فتحت نجوى الهدية، وشاركها في فتحِها صديقاتُها ريم وسلوى.
كم تمنَّت رغد لو فتحتْ نجوى هديَّتَها في منزلها؛ فقد كانت تعرق كثيرًا، وترتجفُ خوفًا وخَجلاً؛ فهي لا تعلم ماذا سيكون ردَّةُ فعل نجوى وصديقتيْها.
رأت نجوى محتويات الهدية في تكبُّرٍ واضح وراحت تعرِض الأقلام، ثم تقول: "ما هذه الهديَّة السخيفة؟! أقلام؟!".
ابتسمت سلوى في سخريةٍ، وهي تقول: "يبدو أنها قديمةٌ!".
أمَّا ريم، فلفتَ انتباهَها الخواتمُ النُّحاسية، ضحِكت كثيرًا عندما رأتها قائلةً: "انظروا، خواتمُ نُحاسية من عصر الرُّومان!".
كلُّ كلمة تخرج من أفواه البنات كمثابةِ جمرةٍ حارقة تتوغَّل بشدة في صدر رغد، دمعتْ عيناها وهي تسمعُ حديثَهنَّ الساخر، جمعت نجوى كلَّ الأشياء وأعادتْها في الصندوق، ثم أعطتْها لرغد قائلةً في استهزاءٍ: "الأفضل أن تحتفظي بها؛ فقد تحتاجينها يومًا من الأيام!".
في اليوم التالي جاءت المعلمة، ووزَّعت أوراق الأسئلة على التلميذات، كانت نجوى واثقةً من أنها ستجيب عن جميع الأسئلة، لكن يبدو أن لديها مشكلةً،نجوى لم تجد قلمَها، بحثتْ عنه في حقيبتها وفوق طاولتها، لم ترَ له أثرًا!
قالت في نفسها: "يا إلهي! كيف سأجيب عن الأسئلة؟!".
قامت نجوى ثم قالت: "معلِّمتي، لقد نسيت أقلامي في المنزل، أنا آسفةٌ".
قالت المعلمة: "أيتها التلميذات، صديقتُكن نجوى بحاجة إليكن، من تُعيرها قلمَها لبضع دقائقَ؟".
عندما سمعت رغد النِّداء، نهضت فورًا من مقعدها، ومعها قلمٌ، وأعطتْه لنجوى.
كم كان النَّدم يعتلي مُحيَّا نجوى، وهي تتناول القلم من رغد!
انتهى اليوم الدراسيُّ، شكرت نجوى رغدَ وهي تُعيد إليها قلمَها: "رغد، برغم إساءتي لك بالأمس، إلا أنَّك لم تتأخري عن مساعدتي".
ابتسمت رغد، ثم قالت :"هذا القلم هديَّتي لكِ، أرجو ألا ترفضي طلبي للمرَّة الثانية".
تأثرتْ نجوى كثيرًا، وبسرعة احتضنتْ رغد وهي تبكي، وتقول: "صحبتُك أغلى هديَّة".