كشفت دراسة عالمية موسعة وحديثة؛ أن 63% من النساء العربيات يشعرن بالقلق من مقومات الجمال المثالي, الذي تقدمه وسائل الإعلام، ودور الأزياء، وصناعة السينما.
والقصّة هنا متصلة بالإحساس الداخلي (الشعور بالجمال، أو بالقبح )، فكم من أنثى طاغية الجمال، نادرة المثال، لم تشعر بذلك، بل لعلها ترى نفسها امرأة عادية، أو أقلّ من عادية، أو كما كانت (مارلين مونرو) تشعر بأنها أقرب إلى القبح، وتعالج من هذا الإحساس لدى الأطباء النفسيين.
حدّث طبيب نفسي ؛ أن امرأة كانت تتردد على عيادته, تشتكي من أنفها الطويل, الذي يفسد مظهرها.. وحين سألها : لماذا لم تذهب لطبيب تجميل ؟
قالت : لأنهم رفضوا إجراء عملية لها، وأكّدوا أن أنفها مثالي.
قد يكون في المرء عيب صغير , لا يلاحظه غيره، لكثرة ما ينظر إلى نفسه.
وقد لا يكون فيه عيب أصلاً ؛ ولكنه لا يشعر بالرضا عن ذاته، وفقدان الإحساس الداخلي بالرضا ؛ يَحرِم الإنسان من رؤية ذاته الجميلة.
إن تخيّل القبح والإحساس به ؛ حالة نفسية تسيطر على بعض النساء والرجال، وتؤدي إلى العزلة والاكتئاب, والانتحار أحياناً؛ ويسمى هذا في علم النفس بـ " القبح المتخيل ".
ويوجد في الولايات المتحدة وحدها أكثر من عشرة ملايين مصاب بهذا الإحساس المريض.
قد تكون دعابة طفولة من الوالدين ؛ (يا أبو خشم، يا دبدوب) لم يستطع أن يتقبلها, ويتكيف معها..
أو أم تزجر بنتها المراهقة, عند وقوفها أمام المرآة؛ لتحدّ من اهتمامها بذاتها , وفرط عنايتها بمظهرها.
أو إنسان مصاب بوسواس قهري؛ فتتسلط عليه فكرة ما، مهما كانت جنونية أو غير منطقية، ويعجز عن مدافعتها فيستسلم لها.
أو حالة اكتئاب؛ تعمّق الإحساس بهوس القبح.
وهنا يحتاج المرء أو المرأة لعملية تجميل من نوع آخر ؛ تعالج مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته , وتساعده على التكيف الإيجابي مع نفسه، وتنقله إلى النظر الصائب لجماله وحسنه الجسدي, الذي قررته النصوص الشرعية، وإلى الثقة بالذات، وإلى تفعيل جاذبية العقل والروح واللغة والأخلاق.
والعرب تقول :
" رب دميم غير ذميم " و " رب وضي غير مرضي ".
وفي محكم التنزيل (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ..)(هود: من الآية31).
أسامة بن زيد كان دميم الْخَلْق , حتى كان النبي عليه الصلاة والسلام يحمد الله أنه لم يكن أنثى، ويقول: « لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهَا وَلَكَسَوْتُهَا حَتَّى أُنْفِقَهَا » كما عند ابن أبى شيبة، وابن ماجه، وابن سعد، وأحمد، والبيهقى عن عائشة رضي الله عنها.
وعطاء ؛ كان أسود أفطس أشلّ أعرج، وعمي في آخر عمره، وكان إماماً إليه المرجع في الحجاز، فقيهاً محدثاً عابداً، يقف أمامه الخلفاء إجلالاً وهيبة.
وأويس القرني، والأحنف بن قيس، والزهري، ويحيى بن أكثم، والأعمش.
وسقراط، وكثير عزة، والجاحظ، وذو الرّمّة.
وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بأشج عبد القيس وخصاله وأخلاقه , كما في صحيح مسلم..، وقال عن جعيل بن سراقة - مقارناً له بأحد العظماء شكلاً ومظهراً -: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ! قال الحافظ في الفتح: صحيح الإسناد.
وكان عبد بني الحسحاس يقول :
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً أو أسود اللون إني أبيض الخلق
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم :
" سوداء ولود خير من حسناء لا تلد " أخرجه الطبرانى وابن حبان والعقيلى، وابن عساكر.
وفي هذا اللفظ من أسرار النبوة الكثيرة.
فقد عبّر بالسواد، ولم يعبر بالقبح، وكأن هذا يشير إلى أن الإنسان، والمرأة خاصة، لا يكون قبيحاً بإطلاق، ولابد أن يحتوي على جوانب من الجمال الجسدي، أو العقلي، أو الأخلاقي، مما يجعل له جاذبية وحسناً، وقد يتفوّق على غيره ممن هو أحسن منه رأي العين، والعامّة يتداولون؛ أن غير الجميلة أحظّ من الجميلة في الزواج، وفي كلٍّ خير، وطبيعة العلاقة تعطي جمالاً، فالأبناء الصغار ينظرون لأمهم على أنها هي الجمال ذاته؛ تشكل في تمثال حي، ولهذا قال هنا : " سوداء ولود.. ".
والسواد ليس قبحاً، بل هو لون، تصحبه الملاحة والحسن، ويقترن به الجمال، ولهذا عبر به هنا..
وَكَم في ظَلامِ اللَيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ
والسواد محمود في الشعر والعين والحبر , والليل وبعض الشيات..
العمل الصالح، والخلق الكريم، وطيبة النفس، وخفة الدم، والثقة بالذات، كلها فروع كريمة لشجرة طيبة اسمها الإيمان بالله، الذي خلق الإنسان فأحسن خلقه، وصوره فأحسن صورته، وأذن سبحانه أن ما يكون في قلب الإنسان من جميل المعاني أو رديئها ينعكس على صورته الظاهرة.
ولهذا فإن فهمك لطبيعة الآخر، واحتواءك له، ومنحه الأمان والإشباع يجعلك جميلاً في نظره.
د سلمان العودة