الشيب:النذير المبين ، لا تخطئه العين وإن أنكره الفؤاد :
روي عن ابن عباس ، وعِكْرِمَة ، وأبي جعفر الباقر ، وقتادة ، وسفيان بن عُيَيْنَة أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى : { وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ } : يعني : الشيب .
ومن تفسير القرطبي رحمه الله :
"وجاءكم النذير" قيل : هم الرسل .
وقال ابن عباس : هو الشيب .
فإنه يأتي في سن الاكتهال ، فهو علامة لمفارقة سن الصبا .
قال الشاعر:
رأيت الشيب من نذر المنايا ******* لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر :
وقائلة : تخضب يا حبيبي ******* وسود شعر شيبك بالعبير
فقلت لها المشيب نذير عمري ******* ولست مسودا وجه النذير ..
ومن تفسير البغوي رحمه الله :
ويقال : الشيب نذير الموت . وفي الأثر : ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها :
استعدي فقد قرب الموت .
و الشيب ضيف استقبله البعض بترحاب ، فهو تاج الوقار ، سنةً كونية جارية : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير)فعلام الجزع ، إن كان صاحبه محسنا ، ولربه مراقبا ، ضيف رآه صاحبه يوما فقال :
لما رأيتُ الشيب لاح بعارضي ***** ومفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
ويزحف ببطء ، زحف الصبح من تحت الظلام ، فلا يشعر به الإنسان إلا وقد غزا مفرق الرأس فلا يجد بدا من التسليم !
وقال آخر عنهن ولعله ممن لدغ منهن :
فإن تسألوني بالنساء فإنني ******* خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ******* فليس له في ودهن نصيب
وللشيب أوصاف تحمل المرء على إحسان ضيافته :
يقول القرطبي رحمه الله :
وأما الشيب فنور ويكره نتفه ، ففي النسائي وأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة وكتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة) .
قلت ، (أي : القرطبي رحمه الله) : وكما يكره نتفه كذلك يكره تغييره بالسواد ، فأما تغييره بغير السواد فجائز ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق أبي قحافة - وقد جيء به ولحيته كالثغامة بياضا -: (غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد) .
ولقد أحسن من قال :
يسود أعلاها ويبيض أصلها ******* ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل
وقال آخر :
يا خاضب الشيب بالحناء تستره ******* سل المليك له سترا من النار .
اللهم إنا نسألك الثبات على الإسلام والسنة حتى نلقاك عليهما ، ونعوذ بك من الفتنة في الدين أو البدن ، ونسألك العافية في الدين والدنيا ، ونعوذ بك من مصيبة الدين فكل المصائب سواها هين ، ونسألك لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.