استيقظ من نومه متأخرا فوجد بجانب سريره رسالة من الملك ، كتب فيها ما معناه " أن أسرع بجمع أطيب زهور الأرض و أزكاها عطرا ، هذا ما ارتضيته مهرا لابنتي و صنيعة يدي ، فأسرع بالقدوم إلينا قبل غروب شمسك و اتنا على طريق منبسط لا اعوجاج فيه ستجد القصر في منتهاه ، هناك سأزفها إليك " .
ألقى نظرة خاطفة من النافذة و قال محدثا نفسه : " علي أن أسرع " . و كان الوقت ظهرا حين خرج مستعجلا .
و بينما هو في طريقه المنبسط يجمع أجمل الزهور و أطيبها ممنيا نفسه بلقاء الأميرة إذ به يجد مسلكا جانبيا معوجا ، دفعه فضوله إلى استطلاع الأمر ، فلما اقترب سمع صوتا أنثويا جميلا يأتي من نهاية المسلك . واصل الشاب سيره متتبعا اللحن الجميل ناسيا وصية الملك ليجد في نهاية المسار فتاة فاتنة الجمال تجلس على عتبة بيت أنيق ، فلما رأته قادما دفعت الباب داعية إياه للدخول مبدية له بعض مفاتنها .
لم يتمالك الشاب اليافع نفسه فدلف إلى داخل المنزل ، عندها أسرعت الفتاة الخطى و بدأت بالاختفاء في إحدى الغرف حتى إذا دخلها الشاب خرجت هي منها إلى غيرها ، فمرة تصعد به إلى الطابق العلوي و مرة تنزل به إلى قبو المنزل و هو يلاحقها لاهثا وراءها ، فإذا رأت منه التفاتة نحو النافذة شغلته عنها بإظهار فتنة أخرى من مفاتنها .
حتى إذا أنهكه الجري خلفها و امتنع عنه اللحاق بها و بلغ منه التعب مبلغا عظيما سقط أرضا بلا حراك و عينه شاخصة بحسرة نحو النافذة حيث بدت له شمسه في رمقها الأخير قبل الأفول النهائي . فلما رأت الفتاة منه ذلك سحبته من قدميه و ألقته في حفرة ضيقة و أخذت تحثو عليه التراب . و قبل أن يستفيق من صدمته أغلقت عليه الحفرة ليدرك متأخرا أنه صار وحيدا في قبره .