شدني جدي بيده الحنونه من يدي الصغيرة وهمس في أذني :
شعرك أصبح طويلا ,,, سأخذك إلى أبو سمير الحلاق... وهو الحلاق الخاص بي منذ خمسة وأربعون عاما ,,,
أجابت عيوني بالموافقة من دون تفكير فأنا أحب كل شيئ يأتي من جدي ,,, لأنني كنت أعشق الأرض التي يمشي عليها
فهو رجل حنون الطباع مسالم مع الناس أجمع ,,, وكنت عندما يشتد الحصار حولي إن فعلت شيئا مشينا في البيت أركض و أختبأ خلف ظهر جدي ,,,
وهو بدوره يبعد عني ضربات العصا من والدتي أو ومن والدي ,,, ويهدأ من روعهم ,,, وينهي المشكلة ,,ومن ثم يقبلني من جبيني ,,, ويقول بصوته الناعم
(( لا تعيدها )) فأقول له : لا لن أعيدها ,,,
كان جدي هو المخبأ الوحيد لأشيائي ,,, أخبأ عنده قطع الحلوى والسكاكر عن عيون أختي التي تكبرني بسنوات قليلة وأنا مطمئن أولا لأنه كان يحبني
وثانيا لأنه أمين لم يضيع لي شيئا عنده أبدا وثالثا لأنه لا يملك أسنانا فلا يستطيع مضغ الحلوى ,,, نعم أفكاري كانت شيطانية منذ الصغر ,,, وأتقن فن التفكير وليس الكتابة فقط ,,,
المهم كان جدي هو الأنسان المفضل في طفولتي لذلك وافقت دون تردد للذهاب إلى حلاقه رغم أنني أكره الحلاقين وأخاف من صوت مقصهم ,,, وليتني لم أوافق ,,,
وصلنا إلى دكان عتيقة كعتق صاحبها ,,, فزجاج واجهتها نصفه مكسر وملصق بلاصق شفاف ,,, والنصف الأخر يهتز على وقع أقدام المارة بجانبه ,,,
والدكان لم يكن لها بابا ,,, بل كان هناك مكان الباب سلاسل من الخرز الأحمر والأزرق تطرق ببعضها كلما دخل زائر أو زبون إلى الدكان ,,, وهو نوع من التنبيه يتبعه أغلب الحلاقين
لان غالبا ما يكون منهمكا في الحلاقة ولا يسمع وقع أقدام الداخلين إلى دكانه ,,, وعند ولوجنا إلى الدكان كان كرسي الحلاقة أسودا وقديما وكذالك هي كراسي الأنتظار
وبعد أن عرفني جدي بأبي سمير الحلاق العتيق العجوز الذي حملني إلى كرسي الحلاقة رغم قصر قامته إلا انه كان يملك زندا قويا وكرشا كبيرا ,,,
وعندما وضعني على الكرسي ,,,وضع دفة خشبية وأجلسني عليها حتى أصل إلى العلو المناسب وأرى المرأة ,,,
وهنا ذهبت السكرة وأتت الفكرة ,,, تذكرت صوت المقص ,,, وبدأ الخوف يدب في قلبي ومع أول طقطقة مقصه بدأت بالبكاء ,,,
فما كان من أبو سمير ,,, إلا أنه بدأ ((يناغشني)) ويلاعبني ... ويرشني بالعطوارات التي كان يصفها بأتقان على طاولة صغيرة أمامه ..ولكني بكيت بشدة ,,,
لان العطر دخل عيوني فحرقني
ومن ثم أخرج لي بعض الحلوى ,,, ولكن دون فائدة أزداد بكائي ....
فأبتسم أبو سمير و مسح على شعري ,,, وقال لي ما رأيك أن أحكي لك حكاية ,,, هنا هدأت أوصالي قليلا ,,, فبدأ يقص لي شعري
ويحكي لي قصة غريبة أتى بها من زمنه ,,, من زمن الشيوخ والمجالس ... وأنا أسمع منصتا له,,,
فقد شدني أليها أنها كانت تتحدث عن طفل جلس في مجلس أحد الشيوخ ,,, الذي كان يروي حكاية للعبرة وأن الله يأخذ الحق من السارق
وأن ثلاثة من السارقين سرقوا قصرا ,,, بعد أن قتلوا صاحبه ,,,ووضعوا الكنز على ظهر الحمار ,,,واتجهوا إلى الجبل
وبالطريق اتفق أثنان منهم على قتل الثالث .. لتقاسم الغنيمة مناصفة,,
فقتلوه .. وبالليل قرر أحدهم قتل الاخر ,,, والحصول على الكنز وحده ,,, فقتله ,,, وبينما كان السارق الأخير يصعد الجبل زلت قدمه فوقع على صخرة ومات أيضا
فعاد الحمار إلى القصر بالكنز ,,, فما كان من الجالسين في المجلس إلا أن قالوا الله أكبر... إلا ذاك الطفل الذي قال بأعلى صوته ,,,
ولكن ياشيخي ,,,إذا السارقون الثلاثة ماتوا ,,, وصاحب القصر مات ,,, فمن هو راوي القصة ,,, هل هو الحمار ؟؟؟
وهنا ضحك جدي والحلاق أبو سمير ضحكة مدوية إلا أنه نسي أن مقصه الذي وصل إلى أذني فخدش أذني ,,, فزعقت فزعا ,.,,
وقفزت هاربا إلى البيت يلحقني جدي ,,, قائلا لي :
لا تركض يا ولد ,,, لا تخاف لن أعيدك إلى الحلاق أبو سمير ,,, لن أعيدها .,,.,
وأنا أصرخ باكيا وأقول له : لا تعيدها ... لا تعيدها ,,,,