*تأملات في الآيات*
الحمد لله وبعد :
(3)
قوله تعالى : *(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)*
[سورة النحل 68 - 69]
*فيه شفاء للناس*
اختلف أهل العلم هل العسل شفاء عام من كل الأمراض؟
والراجح أنه ليس عاماً إنما هو شفاء لما هو شفاء له ؛ قال السدِّي: العسل شفاء الأوجاع التي يكون شفاؤها فيه. هـ
ذكره أبو الليث السمرقندي في بحر العلوم .
ومما يدلُّ دلالة واضحة أنّه ليس عاماً في الشفاء إنما هو شفاء لما هو شفاء له ما جاء في صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " *الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي شَرْطةِ مِحْجَم، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَي*ِّ" برقم (٥٦٨٠، ٥٦٨١) .
قال القرطبي رحمه الله : وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ عَلَى مَدْحِ عُمُومِ مَنْفَعَةِ السَّكَنْجَبِينِ فِي كُلِّ مَرَضٍ، وَأَصْلُهُ الْعَسَل .هـ و(السكنجبين: شراب معرب ، أي : *خل وعسل* (عن الألفاظ الفارسية المعربة)
والعموم الذي ذكره القرطبي محمول على عموم الأمراض البلغمية التي يصف لها أهل الطب السكنجبين ؛ والسكنجبين هو ما اجتمع فيه ضدان : *الحامض والحلو* ؛ ومن يعاني من أمراض الحساسية فيحسن له أن يشرب لمدة سبعة أيام أو يزيد : كوب ماء مفتر في الصباح يذيب فيه ملعقة عسل وملعقة خل طبيعي وليس خلا صناعياً ؛ وبإذن الله يشفى وقد جرّبت هذا واستفدت منه كثيرا ولله الحمد(1) .
وتتنوع وجهات استعمالاته باختلاف لونه ونوعه ومرعاه : فإن الله قال (مختلفاً ألوانه ) قال أبو المظفر السمعاني يَعْنِي: أَحْمَر، وأصفر، وأبيض .
وكلما فتح لونه كان استعماله للأولاد أنفع ، وكلما عبق كان للكبار أنفع ؛ لذلك يوصف عسل الزهر للأطفال ..والله أعلم .
قال الآلوسي رحمه الله : فالأبْيَضُ لِفَتِيِّها والأصْفَرُ لِكَهْلِها والأحْمَرُ لِمُسِنِّها والأسْوَدُ لِلطّاعِنِ في ذَلِكَ جِدًّا. هـ
وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يستشفي به في القروح ، وكان غيره يستشفي به في الجروح ، وقد أثبت الطب الحديث فاعليّته في هذا .
قال الآلوسي رحمه الله : لا بَأْسَ بِمُداواةِ الدُّمَّلِ بِالعَسَلِ فَقَدْ ذَكَرَ الأطِبّاءُ أنَّهُ يُنَقِّي الجُرُوحَ ويَدْمُلُ ويَأْكُلُ اللَّحْمَ الزّائِد . هـ
*من طرائق التداوي التي ذكرها أهل التفسير
ما روي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض، فقيل له: ألا نعالجك؟ فقال [نعم]: ايتوني بماء سماء فإن الله يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً﴾ [ق: ٩]، وايتوني بعسل فإن الله يقول: ﴿فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ﴾. وايتوني بزيت فإن الله يقول: ﴿مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ [النور: ٣٥] فجاء بذلك، فخلطه جميعاً [ثم شربه] فبرئ. هـ
*يُتبع إن شاء الله*
الهامش :
(1) : ومما يندرج تحت هذه المادة شراب يشتهر به أهل بلدنا وهو شراب : *الليموناضة* وهو مكون من *حامض وحلو* ؛ ويُبرئ المصدوع بإذن الله وينقي الصدر ويعطي انتعاشاً وانبساطاً في النفس لما يتمتع بجمالية في اللون والرائحة ؛ وأحسن طرق تحضيره : أن يُقطّع الحامض قطعاً مربعة ثم يُتبل بالسكر ويُترك لبعض الوقت ثم يضاف له الماء فيُفرك فركاً تنزل منه العصارات ممتزجة بمرورة القشر ثم يْضاف له الماء ثم يُصَفَّى ويُشرب وهو جيد في رمضان نسأل الله أن يبلغنا إياه .
والحمدلله رب العالمين .
كتبه :مصباح بن نزيه الحنون .