ذكاء المختار
في الزّمن الماضي كانت هناك سيّدة، وكان لها ابن وحيد، تعيش معه أجمل اللّحظات، فحياتهما كانت مليئة بالسّعادة والهناء، وفي يومٍ من الأيّام جاء قدر هذا الولد ومات، فحزنت السيّدة حزناً شديداً على موت وحيدها، وعاشت بتعاسةٍ كبيرة، وعلى الرّغم من ذلك بقي الأمل يراودها ولم تيأس، فهي تعتقد بأنّه لا بدّ من وجود طريقة تعيد ابنها للحياة، فذهبت إلى مختار القرية، وأخبرته قصّتها، وأّنها مستعدّة لتطبيق أيّ وصفة لتعيد ابنها إلى الحياة.
فكّر المختار مليّاً بقول السيّدة، وأجابها بأنّه سيعطيها وصفةً جيّدة شريطة
أن تحضر له حبّة خردل من بيت لم يطرق الحزن بابه مطلقاً.
فرحت السيّدة لاستجابة المختار لها، وبدأت تدور على كلّ بيت في القرية
باحثةً عن هدفها. طرقت السيّدة أوّل باب ففتحت لها امرأة في مقتبل العمر، فسألتها السيّدة إن كان بيتها قد عرف الحزن يوماً، ابتسمت المرأة ابتسامةً
خفيّة مجيبة: و هل عرف بيتي هذا إلّا كلّ الحزن؟!! وبدأت تسرد لها أنّ
زوجها قد توفّي منذ سنتين، و ترك لها أولاداً، وأنّها تعاني في الحصول على
قوت يومهم لدرجة أنّهم أصبحوا يلجؤون إلى بيع أثاث منزلهم المتواضع
للحصول على المال.
بعد أن أنهت السيّدة زيارتها الطّويلة في أول بيت، دخلت بيتاً آخراً
سائلةً عن الطّلب نفسه، وإذ بسيّدة الدّار تخبرها أنّ زوجها مريض جدًّا،
و ليس عندها من الطّعام ما يكفي لأطفالها منذ فترة، فقامت بمساعدة
السيّدة و ذهبت إلى السوق لتشتري لها طعاماً لها ولأطفالها وزوجها
المريض.
خرجت السيّدة من البيت الثّاني، وأخذت تدخل بيتاً تلو الآخر باحثةً عن
البيت السعيد لكنّ جميع محاولاتها باءت بالفشل، لكن ممّا يجدر ذكره
أنّ تلك السيّدة كانت لطيفةً مع أهالي كلّ البيوت الّتي طرقت أبوابها،
وقد حاولت أن تساعد كلّ بيتٍ في أن تخفّف عنهم أسباب حزنهم،
وذلك عن طريق مساندتهم
بحاجاتهم قدر المستطاع.
وبمرور الأيّام أصبحت السيّدة صديقةً لبيوت القرية جميعها، وأدّى
هذا إلى أنّها نسيت تماماً هدفها وهو البحث عن حبّة الخردل من
أيّ بيتٍ سعيد لم يعرف الكآبة أو الحزن، وانصهرت السيّدة في مشاعر
الآخرين ومشاكلهم ناسيةً حزنها دون أن تدرك أنّ مختار القرية قد تعاون
معها في منحها أفضل وصفة للقضاء على الحزن حتّى ولو لم تجد حبّة
الخردل الّتي كانت تبحث عنها