الليلة سأنام على فراش دافىء داخل الكوخ وليس خارجه، يا للروعة هل تعلمون ما معنى هذا ؟ إنه فراش ناعم طالما حلمت النوم فيه . بطانيتان بلون قرنفلي قصيرتان لا تغطيان جسمي النحيف بالكامل ،رائحة المرق والكيف تفوح منهما. لكن لا بأس هذا أفضل من لا شيىء .كما أني سأستلقي فوق هيدورة خروف العيد المهترئة بالقرب من المجمر الساخن مع موسيقى هادئة لطقطقات أعواد مشتعلة . لقد سمح لي أبي أخيرا بالمبيت داخل الكوخ لليلة واحدة فقط .كانت حصيلتي اليوم إيجابية في بيع الصحف والسجائر الرخيصة داخل ماخور فرنسي الواقع في حي ماجوريل ، تمكنت من بيع ثلاثين صحيفة خمسة علب سجائر وساعة مزورة. جنيت مالا وفيرا ،أفرغت حصيلتي فوق طاولة الطعام، تساقطت بعض ﻷوراق المالية و البقشيش، ابتسم أبي وسعد كثيرا ، ضحك ملىء فمه حتى ظهرت أضراسه الداكنة ،هذا الخبر أسعد أمي كذلك لكن بدرجة أقل ،أخي عبد الفتاح يراقبني ولا يعلم ما يدور في هذا الكوخ والعالم من نصب واحتيال ، عد أبي المال بتركيز زائد، أخده دون أن أحصل منه ولو على فلس واحد، لكنه سمح لي بالنوم داخل الكوخ لليلة واحدة ،واحدة فقط ، فراش دافئ وعشاء لذيذ . شاي وخبز مع زيتون وبصل وطماطم وفراش دافىء كان هذا ثمن يوم شاق وطويل . أظن أن الحظ كان بجانبي اليوم ففي مرات كثيرة لم أتمكن من بيع ولو صحيفة واحدة هذا يعني أني لن أحصل على المال ﻷمر الذي لن ينال إعجاب أبي .مصيري يكون حينها الطرد من الكوخ كما تطرد الوحوش صغارها في ليلة شتوية .
أين المال ؟ يقول أبي ،
أجيبه مطأطأ الرأس :
-لم أستطع بيع الصحف اليوم الحركة ميتة و،،،
يقاطع كلامي ويرد بغضب زائد :
-ابن الكلب لقد خسرتها في القمار ! أنت لا نفع منك أخرج من بيتي ،هذا جزاء كذاب مثلك، ستبيت اليوم في العراء وحيدا كجرو ضائع !!
- أجيبه في خيالي :
-طزززز منك، هل تسمي هذا بيت؟! وأضيف:
-انه كوخ شبيه بإسطبل خيول !.
لكن هذه الليلة ليست ككل الليالي ، مايميزها هو عقد صلح مع أبي لليلة واحدة ثم النوم بسعادة زائدة داخل الكوخ . أعلم أن مثل هذا لا يحدث كل مرة فلا شك أن غدا حينما أعجز عن بيع الصحف ولا أحصل على المال لسد جشع أبي سيعود إلى شتمي كما أني سأعود إلى المقبرة ﻷنام هناك أفترش كرتونة بردانة على الأرض وألتحف السماء بنجومها الوهاجة كالعادة متوسدا بأحد الشواهد منصتا لمواء القطط الحزين والمستعدة للتزاوج فوق قبور .