مات عمر
وصلت إحدى الدول الأجنبية ,,, عبر طائرة فخمة ...
قدموا لنا فيها أفخر أنواع المشروبات الروحية ,,, ولكني رفضت ,,, تناولها ,,,
فعرفت المضيفة أنني مسلم ,,, فأبتسمت أبتسامة خفية أخفتها وراء يديها ,,, لم أكترث ,,,
وطلبت منها شراب الفواكه غير آبه بنظرات المسافرين حولي ,,, حتى حطت الطائرة رحالها ,,,
وضعت حقيبة سفري بجانبي ,,, واقتربت من نافذة التي يضعون عليها أختاما تعطيك تأشيرة الدخول إلى تلك الدولة ,,,
كان الجميع ينظرون لي ,,, نظرة لم أفهمها ,,, ومنهم من كان يهمس في أذن زوجته وينظر ألي ,,, لم أعي ما سبب ذلك الهمس واللمز ,,,
إلى أن وصلت إلى النافذة ,,, فأعطيت الموظف المسؤول ,,, تلك الأوراق المجموعة التي يسمونها ((جواز سفر )) والتي بدونها ,,, أنت لا شيئ ,,, صفر على الشمال ,,,
أخذ مني الموظف ((جوازي )) وبدأ يقلبه ,,, ويقلب صفحاته ,,, ومضت دقائق وهو على هذه الحال من تقليب صفحات ,,, ونظرات لي من تحت نظارته الرقيقة الباهظة الثمن ,,,
والجميع من خلفي يتململون ... ويتنفسون بشتى أنواع زفرات الأستغراب والأستحقار والأستهتار ,,, وبعد مضي ما يقارب العشر دقائق ’’’ أشار لي بالوقوف جانبا ,,,
ومضى من بعدي وكأن طاقة الفرج أتت إليه ,,, وتوالى المسافرون بالدخول ,,, حتى لم يبقى أحد منهم ,,, وإذا بأحد يربت على كتفي ,,, مشيرا لي بأن أمشي ورائه إلى غرفة صغيرة ,,,
عرفت فيما بعد بأنها غرفة للتحقيق ,,, طبعا بدأت الاسئلة تنهال علي عبر المترجم الموجود معنا ,’’’’ من أين أتيت ’؟؟؟’’ ولما أتييت ؟؟ وماذا تريد أن تفعل هنا ؟؟؟ وما هي تجارتك ؟؟؟ وأصدقائك ,, وأين ستسكن ,, و هل تنتمي ؟؟ وما هو دينك الحقيقي ؟؟؟,,,و... و ,,,, حتى مللت منهم وملوا مني ,,,
ومن ثم خرج من كان يتكلم معي شاكرا لي حسن التجاوب ...مشيرا أن لابد لي من الأنتظار في الغرفة حتى يأتي الرد بالموافقة على دخولي ,’,,
إلى هنا كنت في كامل هدوئي ,,, منضبط الأعصاب ,,, أفكر فيما فعلت في نفسي ... من هذه الزيارة لتلك البلد ,,,
ورغم عناء الأنتظار لشهرين والذهاب إلى سفارتهم ومراجعتها لمرات عدة ,,, حتى نلت تأشيرة الدخول ...وما دفعت ما بين مصاريف للتأشيرة والسماسرة
وتذكرة سفر باهظة الثمن ,,, حتى وصلت إلى هنا ,,, وهل تجارتي تلك تستحق ذلك العناء ,,, ؟؟
وهل غربتي عن أطفالي حتى ولو كانت لأيام عشر ,,, تستحق ذلك ,,, فظفر أبني يعادل دولتهم وما فيها من مغريات وربح ,,,
كنت ألوم نفسي ,,, فقد أهنتها ,,, من أجل المال ,,, ولم أتبع ما نصحني به والدي عندما قبلت يده مودعا ومسافرا ,,, قائلا لي
(( أنتبه لنفسك ,,, الغربة كربة ,,, والغربة قطعة من العذاب ,,, لا تهن نفسك من أجل المال بل أجعل المال هو المهان من أجل نفسك ))
ندمت حقا لوضعي ذاك ... فسعي وراء المال أعمى بصيرتي وتبصري ,,, وأهان كرامتي كعربي مسلم ,,, ومن هم أولئك الذين تتوسل إليهم حتى تدخل بلادهم الفاسقة
ومن هم أولئك الذين يقيمونك ويجرون تحقيق معك وكأنك مجرم خطير ,,, يسألونك عن أدق تفاصيل حياتك ,,, وماذا ستفعله ... ولربما نسوا أن يسألوني عن لون ملابسي الداخلية أيضا ,,,
من هم أولئك الذين يتهمونك بأنك أرهابي وتحوم الشكوك حولك وكأنك حقا تحمل في حقيبتك شتى أنواع القنابل أو أنك تضع حزاما ناسفا في صدرك وعلى كتفك رشاش حديث الصنع وللمفارقة هو من صنع أيديهم ,,,,
من هم أولئك الذين يحددون لك طريقك ويعطوك بحق وأنصاف أن كنت تستطيع العبور إليهم ,,, ونحن كنا أسيادهم ,,, ومن وسط أسلامنا خرج العدل والمساواة
وكانوا يدخلون إلى بلادنا دون تأشيرة أو ورقة ,,, لا بل ويقابلون حاكمنا وقائدنا ذاك النائم تحت ظل الشجرة ... بلا مرافقة ولا قصور ولا حراس ,,,
أين أنت يا عمر ,,,, يا خليفة أمير المؤمنين ,,, يا من غلبت الروم والفرس ... ونمت تحت ظل الشجرة غير أبه بجنود كسرى ولا كسرى نفسه ,,,
نمت قرير العين مرتاح البال ,,, ومن سيصل إليك ؟؟؟ وتمنعه رهبة طلتك وحضورك ,,, و لما سيصل إليك ؟؟؟ وقد حكمت بينهم بالعدل ,,, فلا شاكي ولا مشتكي ,,,
فليدخل من يدخل ,,, وليخرج من يخرج ,,, لا خوف ,,, لا أرهاب ... لا ظلم ,,,
هذه أخلاقنا ,,,, وهذا هو ديننا ,,, وأنتم من أرهبتم الأسلام ,,, وأنتم من غيرتم وجهته ,,, وغيرتم نظرتكم لنا ,,, ونحن طأطنا رؤوسنا موافقين ,,,
لا لن أطأطا رأسي لكم ,,, لا أريد الدخول إلى بلادكم ,,, سأعود من حيث أتيت ,,,
قطع تفكيري ذاك ... دخول المحقق ,,, يعتذر مني بعدم قبول دخولي إلى بلادهم ... وأراد أن يكمل ,,,
ولكن مفاجأته كانت كبيرة عندما ابتسمت في وجهه قائلا له : شكرا لك ,,,
وعدت إلى بلدي مع أقرب طائرة فخمة ,,, ولم أشرب الكحول ,,,
ووصلت بيتي ,,, مع فرحة أطفالي وعناقي لهم ,,, وأستغراب زوجتي ,,, بغيابي ليوم واحد فقط ,,,
فقلت لها ,,, :
لا تستغربي ,,,, مات عمر ,,,,