كان يودع القرية بنظرات حزينة،وهو يرتعش من الخوف هاربا من أهل القرية،وهم من
وراءه يرمون عليه الحجر،ويصرخون عليه قائلين:إنقلع من هنا ياذا الوجهين،لا نود أن
نراك هنا مرة أخرى،أيها النمام،والمخادع والغشاش،لم تترك اثنان إلا وأفسدت بينهما،ولا
من مصلحة إلا وأخذتها،ولا من خراب في البيوت إلا وكنت السبب فيه،بعدا لك أيها المحتال!.
كان اسمه سعيد،ولكنه بسبب فعله غير سعيد،ولم يجعل أحد من حوله سعيد،حيث تبدأ
قصته من صديقان له،وكانا هما المقربان والأعز والأغلى عنده،مرت السنون حتى بدآ
هذان الصديقان يتغيران،بحيث تحول الإهتمام بينهما أكثر،وأصبحا يهملان سعيد نوعا ما
وبسبب الإهمال أصبحت الغيرة تزرع في قلب سعيد،وأصبحت من بعدها تنمو كالشجرة
رويدا رويدا،حتى أثمرت بثمار الحقد والكره،التي سرعان ماأن نضجت حتى تتاولها
سعيد،وبدأت تعطيه طاقة الأفكار الشيطانية،والتي بدأت بفكرة الفتنة وأيضا نقل الكلام
الضار بينهما،حتى ابتلعا الطعم وصدقا كلامه،وتشاجرا عدة مرات حتى افترقا للأبد
لأنهما وجدا بأنه لا جدوى من استمرار هذه الصداقة،فرح سعيد من كل أعماق قلبه
خرج مبتعدا عن القرية قليلا،ليحتفل لوحده فأخذ يركض ويرتع في كل مكان،وألقى نفسه
على الأرض وأخذ يتأمل في السماء،نهض مرة أخرى وتذكر قائمة طويلة من أناس هو
يكرههم،فهي القائمة السوداء بالنسبة له،فتذكر صاحبه صالح ذاك التاجر الشاطر،الذي
يربح دائما مما يتاجر به،ومعروف لدى الناس بحسن خلقه،وأمانته في عمله،وبجودة
مايبيع من كل تلك الأقمشة.
في صباح اليوم التالي ذهب إليه سعيد،وأصبح صديقه المقرب،حتى وثق فيه صالح
وأشركه معه في عمله،فهو طبعا لم يرى أطيب من سعيد،وسعيد من ورائه يفسد البضائع
ويذهب إلى زبائنه ويخبرهم برداءة مايشترونه من صالح،وأنها كذا وكذا وكذا...
حتى شيئا فشيئا أصبح يخسر صالح ،وبعد ثلاثة أشهر أغلق محله.
فزادت سعادة سعيد بمثل هذه الأفعال،فسعادته أن يظهر للناس المحبة والمودة والطيبة
ومن ورائهم يفسد عليهم معيشتهم،ومرت أشهر طوال حتى كشف أمر سعيد."إن الله يمهل ولا يهمل"!