من الأمور والآداب المهمّة للحاج الاهتمام والاعتناء باختيار الصُّحبة والرّفقة الصّالحة الّتي سيرافقها أثناء حجّه، من أهل العِلم والخير والأتقياء وأصحاب الفضل والهمّة، الّذين يذكّرونه إذا نسي، ويعلّمونه إذا جهل، وينشّطونه إذا كسل، فيكتسب منهم أخلاقًا وآدابًا صالحة وهمّة عالية، وذلك لأنّ المرء على دين خليله، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”المرءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكُم مَن يُخَالِلْ” رواه أبو داود، وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”لا تُصاحبْ إلاّ مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلاّ تقيٌّ” رواه الترمذي.
فالإنسان مهما كان يحتاج للرّفيق الصّالح في جميع أحواله، وأنتَ في الحجّ أحوج لهذا الرّفيق، لأنّه معين لك على أداء نسكك على شرع اللّه سبحانه وتعالى وهدي رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. والرّفقة الصّالحة خير مُعين لك في هذا السّفر، يُذكّرونك إذا نسيت، ويعلّمُونك إذا جهلت، ويحوطونك بالرِّعاية والمحبّة. وهم يَحْتَسِبون كلّ ذلك عبادة وقربة إلى اللّه عزّ وجلّ.
وقد قال سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه وأرضاه:
لا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وإيّاك وإيّاه فكمْ مِنْ جاهلٍ أَرْدَى حلِيمًا حين آخَاهُ
يُقاسُ الْمَرْءُ بِالمرء إذا ما المرء مَاشَاهُ وَلِلشَّيْء من الشيء مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ
فالرّفقة الصّالحة مِن أعظم الأسباب المعينة على الهُدى والخير ومحاسن الأخلاق، وذلك لأنّ الطبع لص يسرق مَن الطبع الخير والشّرّ، فمَن كان جليسه وصاحبه صالحًا استفاد منه صلاحًا وهُدًى، ومَن كان صاحبه من أهل الكبر والفسوق والمعاصي، فلن تزيده إلاّ شرًّا وبعدًا عن اللّه، فاحذر من مصاحبة مَن لا يُراعي حُرُمات اللّه، ولا يُعظِّم شعائر اللّه، ولا يحرِص على تأدية حجّه على هدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيُضَيِّع عليك أشرف الأوقات فيما لا ينفع ولا يفيد، وكما قيل: ”الصّاحب ساحِب”. وقال ابن الجوزي رحمه اللّه: ”ما رأيتُ أكثـر أذًى للمؤمن مِن مُخالطة مَن لا يَصلُح فإنّ الطبع يسرق، فإن لم يتشبّه بهم ولم يسرق منه فتر عن عمله”.
ويُحكي أنّ التابعي الجليل عبد اللّه بن المبارك رضي اللّه عنه كان إخوانه يأتونه يسألونه الصُّحبة في الحجّ، فكان يجمَع منهم نفقاتهم ويضعُها في صندوق، ويقدم بهم على (مرو) فيُلبسهم أحسن الثياب ويطعمهم أفضل الطّعام، ثمّ يدخل بهم بغداد فيصنع الصّنيع نفسه، حتّى يَصلوا المدينة فيسألهم واحدًا واحدًا عمّا طلبه أولاده من طُرف المدينة ويأتيهم بما طلبوه، ثمّ يذهبون إلى مكّة ويؤدّون المناسك، ثمّ يرجع بهم ويعمَل لهم وليمة بعد ثلاث، ثمّ يفتح الصّندوق ويُعطي كلّ واحد نفقته الّتي دفعها.
فاحرص أيُّها الحاج الكريم أن تكون صُحبتك- في سفرك عامة وفي الحجّ خاصة- من أهل الدِّين والعِلم والخير، فقد أمر اللّه تعالى نبيّه الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم بصُحبة الأخيار في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الكهف:28، ولذلك كان السّلف الصّالح رحمهم اللّه تعالى يختارون لسفر الحجّ ونحوه الصُّحبة الصّالحة، من أهل العِلم والصِّدق.
الجنس : عدد المساهمات : 96 تاريخ التسجيل : 21/09/2013
موضوع: رد: الصُّحبــــة الصّالحــــة فــــي الحجّ الجمعة 27 سبتمبر - 22:06
ماريا ديسمباردة جزاكِ الله خير الجزاء وشكراً لطـــرحكِ الهادف وإختياركِ القيّم رزقكِ المولى الجنـــــــــــــة ونعيمها وجعلـ ما كُتِبَ في موازين حســــناك ورفع الله قدركِ في الدنيــا والآخــــرة وأجزل لكِ العطـــاء
هديل بدر ورقة ماسية
الجنس : عدد المساهمات : 1581 تاريخ التسجيل : 10/09/2013 العمر : 30 الموقع : الاردن / جرش