مرض النفوس
الحياة علم «مليء» بالمتناقضات، فيها الحب والبغض، والصديق والعدو، والعاقل والأحمق،
والشريف واللئيم، ويعيش الإنسان في هذا العالم قلقا مضطربا تتجاذبه شتى أنواع التناقضات. وفي
خضم هذه التناقضات تتكشف للإنسان حقائق عن هؤلاء البشر، فتقوي علاقته ببعضم ويشتد النفور من
بعضهم الآخر.. فأما من قويت علاقته بهم فلأنهم آمنوا بأن، الإنسان اجتماعي بطبعه ولا يمكن أن
يعيش منفردا، فهم يحبون من حولهم ويسعون إلى رفعة شأن مجتمعاتهم والوقوف إلى جانب الحق
مهما كلف الثمن. هؤلاء فقط يستحقون العيش والحب والتقدير. وأما ما سواهم ممن يناصبون إخوانهم
العداء ويترصدون لهم، وتمتلئ قلوبهم حقدا وحسدا عليهم ويقفون حجر عثرة أمام الصالح العام فهم
الذين يستحقون مادون ذلك، وحينها لن تلطم لأجلهم خد، ولن تذرف عليهم دمع لأنهم عاشوا لأنفسهم
فقط، وما استحق العيش من عاش لنفسه فقط..
إن العاقل من يدرك أن الحياة صراع وأنه يجب على المرء ألا يتقاعس عن المضي في ميادين الشرف،
لا تثنيه العقبات، ولا ترده الصغائر، فتارة يحمل معول الإصلاح ملوحا بالجزرة، وأخرى يحمل العصا
ملوحا بالعقاب في وجه من يقف ضد الإصلاح. والعاقل لا تهمه تلك الدسائس التي تحاك خيوطها في
الظلام، وتلاك نهارا على ألسنة الصغار لأنه يدرك أن هذا مرده مرض في النفوس التي ما استطاعت
أن تقدم لمجتمعها شيئا سوى قيل وقال.