تحتاج الأسرة المسلمة أن تتراحم فيما بينها وتدرك أن التفاهم والتشاور والتسامح هي اللبنات الأولى لأسرة متماسكة سعيدة يستطيع أفرادها أن يواجهوا منفردين أو مجتمعين ما يحيط بهم من مشاكل وعقبات.
إن الترابط الأسري له دور في ترابط المجتمع، وحتى يتحقق الترابط الأسري بمعناه الحقيقي لا بد من توافر العناصر الأساسية والمساعدة على قيامه، وحيث إن الحديث متعلق بالأسرة بوجه خاص يبدو نجاح أو فشل الارتباط بين الأب والأم محوريا في لم شمل الأسرة من خلال تحقيق وسائل الترابط أو عدمها.
أهم ما يميز الأسرة هو الارتباط المباشر الذي يجعل أفراد الأسرة أقرب ما يكون إلى بعضهم البعض مقارنة بأي بناء عضوي آخر.
الترابط الأسرى هو صلة الربط الوثيقة بين أفراد العائلة الواحدة، بدايةً من رب الأسرة وبين الأم وزوجها، أو بين الأب وأبنائه وبناته، وبين الأم وأولادها سواء بنات أم شباب، فالترابط بين أفراد الأسرة له أساس عضوي اجتماعي وله تقنين إسلامي يوضح الحقوق والواجبات والالتزامات والمسئوليات المتبادلة بين هؤلاء الأفراد تجاه بعضهم البعض.
للوالدين الدور الأساسي في بناء الأسرة والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامة، وهما مسئولان عن تنشئة الجيل طبقًا لموازين المنهج الإسلامي، لذا حدد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدين والأبناء، طبقًا للحقوق والواجبات المترتبة على أفراد الأسرة تجاه بعضهم البعض.
من مقومات الأسرة المترابطة أن يخصص الوالدان بعضا من وقتهم لمشاركة أبنائهم في مناقشة كل مشاكلهم اليومية سواء نفسية أو شخصية أو عائلية.. لكي لا يفتقد كل من الأبناء للحنان الأسري ولرعاية والدهم لهم لكونهم دائما في حالة طلب لنصيحة الوالد وعاطفة الأمومة وحرصها على تربية أبنائها تربية سليمة.
فلا بد أن يكون الأب والأم متواجدين بصفة يومية لو لمدة ساعة في الجلوس مع أولادهم ومناقشتهم والاقتراب منهم دائما لكي لا يشعروا بالوحدة والغربة داخل هذه الأسرة.
فما يحدث هذه الأيام: يكون الأب مشغولا بعمله وبأصدقائه الذين يقضي معظم أوقاته معهم متناسيًا أن لأولاده حقوقا عليه لا بد أن يلبيها لهم، وهي أن يستمع إليهم وأن يعطيهم من وقته لكي يكون قريبا منهم دائما، وكذلك الأم تكون بعيدة ومشغولة.
قرأت في كتاب مسار الأسرة للدكتور عبد الكريم بكار تجربة جميلة مفيدة وتدل هذه التجربة على الترابط الأسري المطلوب في كل أسرة.
والتجربة: هي لأحد الشباب أسس موقعًا على الإنترنت يهتم بتنمية الشخصية وصار موضوع تطوير الحياة الشخصية والأسرية وبيئات العمل أحد مشاغله الكبرى.. وفي ذات مرة قال لأبيه: أبي إن أسرتنا تملك الفرصة لتقدم أسوة حسنة لكل معارفنا، قال الأب: وكيف ذلك؟
قال الابن: الأمر بسيط، نعقد على رأس كل شهر اجتماعًا مفتوحًا، نلقي فيه سؤالا واحدًا في موضوع من الموضوعات، ونحاول الإجابة على ذلك السؤال.
قال الأب: وضح ماذا تعني؟
قال الابن: مثلا في أول الشهر القادم يكون السؤال: ما الذي في إمكاننا أن نفعله في مسألة تحبيب الكتاب إلى أسرتنا، ولم نفعله؟ وعلى رأس الشهر الذي يليه: يكون السؤال مثلا: ما الذي يمكن أن نفعله في مسألة توفير شيء من دخلنا حتى نستطيع امتلاك بيت في المستقبل؟ وهكذا...
وأعجب الوالد بالفكرة، وتم تطبيقها على مدار خمسة أشهر، وشعرت الأسرة بتحسن كبير في حياتها.
إن الحوار والتواصل يخلقان مشاعر إنسانية مشتركة فحينما نتحاور فإننا نفتح النوافذ للنور ونخرج إلى أحاسيس نقية..... نجتمع على مائدة واحده في رمضان وكنا لم نجتمع على نفس المائدة من فترة طويلة...
وأفراد الأسرة يحتاجون أن يلتقوا ويتحاوروا أكثر.
ربما وجود برامج وارتباطات مختلفة لكل فرد مبرر لهذا الوضع...
ولكن الأسرة يجب أن تلتم وتجتمع وأن يستمع أفرادها إلى بعضهم البعض بشكل مستمر... فالشخص بدون أسرة هو شخص مجهول يفتقد الطمأنينة والأمان.
الأسرة التي تملك القدرة على الحوار والتواصل والاختلاف هي الأسرة التي تخرج أفرادا أسوياء قادرين على النجاح في الحياة وعلى بناء مجتمع متوازن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |