تنهدت و عيناها متحجرتان و وجهها داكن لا تدري ما يمكنها فعله، تتحرك كشبح شخص آخر
بعينيها دمع و بأعماقها عويل صارخ
تحس بنوع من الخوف؛ الخوف عليه و هي تراه راقد أمامها كأنه فارق الحياة
إنتظرت و غيرها كذلك فعل، و الساعات ثقيلة مقضّة مضت،
ثم أفاقت و في أذنيها أصوات الموج الكاسر دوّت ، و بأعلى صوتها صرخت:
أبي.. أبي.. لا تتركنِ و ترحل!!!
ثم أحست بأمها تحتضنها برفق و حنان، تنبهت لمن حولها، و في إستغراب و صوت متهدج قالت:
لمَ تقفون هكذا؟ هل مات أبي؟
فصمت الجميع.
إنكبت هي على نفسها في نوبة بكاء حادة، كادت تتمزق إرباً و بكت،
بكت كثيراً كما لم تبكِ من قبل، أو كأنها خُلقت لتبكي.
بكت دماً و حرقة كأنها تستغيث بدموعها،
أو لأنها عرفت و أدركت أنها لن تستطيع شيئاً غير البكاء.
أخذت تنظر لكل وجه بفزع و استغاثة، كأنها لا تصدق ما حدث، حتى وصلت لوالدتها المنهارة،
ثم سكتت صرختها مرة واحدة و رمت برأسها فوق صدر أمها و كفت عن كل شيء؛
عن الصراخ، عن البكاء و حتى عن الحياة
و قالت: فلندعه يرتاح و يرقد في سلام.
~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~
فقد أعز من في الوجود، أجهش في البكاء كالطفل الضائع، كالآخرين جميعاً لا يكفون عن البكاء.
تأبطته أخته و مشت به، -تلك الأخرى التي هي بحاجة لمن يعينها، منذ أن عادت إلى البيت كالمجنونة المحترقة،
بعدما عاشت المشهد أكثر من غيرها- تحاول التخفيف عنه و منحه بعض القوة
و الأحرى كانت تبحث هي عن القوة في كل من حولها حتى تبقى واقفة
كما تعود الجميع عليها، إتتجهت بنظرها إلى غرفة والدتها و تنهدت في حرقة و حسرة ولوعة
و تمتمت في قرارة نفسها: تحاول أن تكون قوية، و هي كذلك فقط أمامنا و أخشى أن يطويها الحزن في أعماقه بلا شفقة.
عين الطبيب لا تزال تراقبها في حرص شديد، بعد أن انهارت و انتابتها هيستيريا عنيفة؛
فقد ظلت واقفة عند كرسي زوجها الراحل و هي تضغط عليه بعنف،
و تركز إنفعالات نفسها في أناملها، لتفرغ روحها في ذلك الجماد الذي كان يوما مقعدا لحبيب نأى و لن يعود
و انقضت دقائق طويلة و هي على تلك الحالة و هي في غيبوبة كاملة
بعيدة كل البعد عمن حولها، و بدت على وشك الجنون أو كأنها تتعرض لرعدة قوية من شبح الموت...