مللت من حياة الوحدة،وبخاصة أن أهلي اضطروا
لهجر هذه البلاد،بسبب ظروف المعيشة التي أصبحت
قاسية،وبقيت أنا فقط حتى أكون قادرا على إرسال
مبالغ مالية تكفيهم،بما أنني أعمل في وظيفة جيدة
ومحترمة،وعندما كنت أعود إلى المنزل،كنت أشعر
بالضيق الشديد،ففي كل زاوية أنظر إليها أتذكر أهلي
الأحباب،ولكن فرقتنا الظروف،حاولت التأقلم مع الوضع
عدة مرات،ولكن دون أي فائدة،فأقوم بتجهيز طعامي
،وأكلي، وملبسي لوحدي،وبعد أن أنهي كل شيء أقوم
بإخراج القمامة في منتصف الليل،فكنت أرى منظرا
يتكرر كل ليلة،حيث كنت أرى القاذورات مبعثرات
في كل مكان،وقد أخرجت من مكانها في القمامة
فقادني الفضول لأعرف من هو وراء كل تلك الفوضى؟.
مر علي يومان وثلاثة أيام ،وأنا أحاول أن أعرف
في أي وقت بالضبط يحضر هذا الشخص ويبعثر
القمامة بهذا الشكل الرهيب؟!
أكون قد أتيت متأخرا،وهو يكون قد أتى وبعثرها
منذ دقائق،إلى أن عرفت أنه يأتي في تمام الساعة
الواحدة بعد منتصف الليل.
في اليوم التالي ،خرجت لإلقاء القمامة قبل الواحدة
من منتصف الليل،وظللت أنتظر هذا الشخص
الغامض،والفضول يكاد يقتلني،إلى أن ألمح فجأة
بقدوم شخص يترنح من بعيد وكأنه ثمل،وقد كانت
ثيابه بالية جدا،وحدها فقط دلتني على الفقر القاسي
الذي هو فيه،وعندما أقترب من القمامة أكثر،وبما
أن المكان مظلم جدا،لم أنتبه على أنه طفل صغير
إلا عندما اقترب من القمامة،وسقط بقربها من شدة
التعب،ولكنه سرعان ماستجمع قواه وعاود
النهوض،وددت لو أني ساعدته ولكن تركته،حتى
أعرف ماهي قصته،بعدها قام برمي براميل القمامة
جميعها،وأخذ يبحث فيها،وما إن وقعت يداه على
قطعة من الخبز،أو أي طعام آخر قام بالأكل منه،وبعدها
أخرج كيسا من جيبه،وضع فيه باقي الطعام،ولم يكتف
بذلك بل أخذ يبحث عن شيء آخر،تبين لي فيما بعد
أنه يقوم بجمع علب البلاستيك،وقام بوضعها في كيس
آخر ،وترك كل شيء ولاذ بالفرار وكأنه ارتكب جريمة
بشعة،لم أكتف بذلك بل تبعته،لأفاجأ بأنه يطرق باب
أحدهم ،وعندما فتح الباب،انتزع منه الكيس الذي
يوجد فيه علب البلاستيك بكل قسوة،وأخذ يعدها
الواحدة تلو الأخرى،وقال له:هناك علبة واحدة ناقصة
لهذا سآخذ منك الكيس،ولن أدفع لك أي شيء في
المقابل.
قام الطفل يترجاه قائلا:أرجوك أنا أحتاج إلى المال
لكي يأكل أخي الصغير،لقد بتنا أنا وهو البارحة وأيضا
في الليلة التي سبقتها بلا طعام.
فرد الرجل عليه قائلا:أغرب عن وجهي،وصفعه صفعة
قوية أردته على الأرض باكيا يتأوه من الألم،وأغلق
الباب في وجهه بكل قسوة،حاولت أن أساعده ولكني
تركته حتى أعلم أين يعيش؟.
تبعته حتى وجدته يدخل إلى كوخ صغير جدا،وقد كان
فيه أخوه الصغير،وعندما دخل ،تجرأت على أن أسرق
النظر ماذا يحدث في الداخل،فوجدته يحتضن أخاه
ويبكي بحرقة ويقول:سامحني يا أخي لم أستطع
إيجاد مايسكت جوعنا اليوم.
فبكى معه أخوه الصغير،فبكيت أنا أيضا،فخافا عندما
سمعا صوت بكائي،فحاولت تهدأتهما وسألتهما
ما الذي حدث لهما حتى أصبحا بهذه الحال؟
فقالا لي:بأنهما لاجئين فقدا والديها بسبب الحرب،وأتيا
إلى مدينتنا سيرا على الأقدام،وعندما وجدا هذا الكوخ
فارغا قررا العيش فيه،فتأثرت جدا لقصتهما وعرفت
فورا،من سيأتي ويعيش معي ويملأ علي وقتي
وفراغي،وبعوضني عن فقدان أهلي،وينسيني
وحدتي.