KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: سعيدة الثلاثاء 10 أبريل - 16:55 | |
| بعد أن فقدت سعيدة تاليها و واليها و توفيت جدتها التي كانت ترعاها من معاشها وجدت نفسها على محك الحياة, و بين مطرقة صاحب البيت الذي يدين لها بإيجار كل شهر و سندان جوعها ومعدتها الفارغة, فلم تجد مهربا غير أن تلجأ لخالتها المتزوجة لتقطن معها حتى يأتي الله بالفرج من عنده و يرزقها بالنقرة فين يغبر نحاسها على الأقل, أما النحس فذلك عشيقها الذي أقسم ألا يفارقها. باعت أثاث جدتها و سددت ببعضه ثمن الكراء و أعطت ما تبقى منه لخالتها, كتعويض رمزي على السداري الذي ستنام عليه و كسرة الخبز التي ستحصل عليها كل يوم و باقي التعويض اتفقت معها أن يكون عملا منزليا. و في ظروف بيتها الجديد حاولت سعيدة أن تنفذ وصية أمها المتوفية و تبقى صبورة ما أمكن, لكن للصبر حدود كما قالت أم كلثوم في أغنيتها و صبر سعيدة كان قد انحد و انتهى, فزيادة على مزاج خالتها المتقلب و طبعها المتسلط, لديها زوج ''زلال'' لا يتركها و شأنها.. بدأ معها بالكلام الحلو, ثم صار يلاحقها من الكوزينة إلى الصالون كلما غابت زوجته عن البيت حتى تمادى و صار يتسلل إليها ليلا حين ينام الجميع, ولما أصبح الوضع يؤرق مضجعها قررت أن تبوح بكل شيء لخالتها, ففي النهاية لن ترضى أن تبيع كرامتها مقابل سقف مهتريء و خبز بائت. و كما كان متوقعا كان جواب خالتها, '' المرا الحمارة هي اللي تدخل وحدة بايرة لدارها, يالاه خرجي عليا''.
جمعت ملابسها القليلة في كيس بلاستيكي وخرجت تبحث لنفسها عن عمل شريف و رزق حلال, لم تكن تتشرط و كانت لتقبل بأي أجر مهما كان زهيدا, وجدت عملا في مخبزة ثم بعدها في مقهى ثم منظفة في عمارة أنيقة و عملت خادمة في بيوت كثيرة, لكنها لم تستطع الإستقرار في عمل واحد فالمدينة كانت تعج بأمثال زوج خالتها و لا ملاذ لها من غلاء الأسعار و قساوة الحياة غير أن تبيع نفسها كما يفعل جميع اليائسين البائسين, دخلت اللعبة, تعلمتها و أتقنتها حتى صارت خبيرة في ''الضومين'', انتقمت من نفسها لنفسها, انتقمت من اسمها الذي سرق كل نصيبها من السعادة و بدلته ب ''العالية'' حتى تعلو على كل شخص و كل شيء و لا يعلو عليها أحد, بدلت شكلها و صوتها و طبعها و كل ما قدرت أن تبدله. مرت الأيام و السنين و العالية تعلو و تعلو حتى بلغت منتهى العلو فانهارت و تحطمت. اختفت ألوانها المزيفة و عاد السواد يملأ حياتها, و وسط السواد استيقظ ضميرها, لم تستطع التوقف عن جلد ذاتها و تأنيبها, ندمت على كل شيء و لم تجد عندها وجها تلقى به الله يوم الحساب, استغفرته, أخرجت صدقة من مالها الحرام الذي نالته من عرق جبينها و عانت كثيرا لتحصل عليه, لكن ذلك لم يطفئ نار عذابها و لم يهدىء ضميرها و لم يرح مضجعها.
كانت لا تزال في بداية الثلاثينات لما عصف بها هذا الهم, و بالنسبة لامرأة من عمرها و ذات مال و جمال كان لا يزال أمامها حياة حافلة لتعيشها لكنها فقدت طعم الأشياء مبكرا, ولم يعد شيء يستهويها. كرهت الإستيقاظ من النوم و كل شيء كانت تعشقه في حايتها السابقة, لم تستطع أن تضحك و لا أن تعطي وجها لأحد حتى للأشخاص المقربين إليها. شخصوا حالتها أنها بداية اكتئاب و نصحوها أن تزور طبيبا نفسيا. نعتت لها مليكة صديقتها شخصا يمكن أن يساعدها و حذرتها ألا تحكم عليه من بداية, فبالرغم أن عيادته متواضعة و ليست بعمارة راقية ''تبارك الله عليه, خدمتوا ناضية''. انصاعت لنصيحة صديقتها و قصدت العنوان المكتوب على ورقة, دخلت عمارة سهل عليها من منظرها أن تخمن من يقطن بها, صانع أسنان ضائع الصيت, عجوز بخيل و حارس لا يحرس غير براده و غليونه و مسجلته. جدران العمارة مصبوغة بلون أزرق متسخ و أرضيته من زليج انمحت زخارفه من الخطى و ليس من التنظيف. سألت عن الطبيب و صعدت الدرج لتصل لشقته ''لعيادته'', دخلت وبدأت بوحها, حكت كل شيء يؤرقها و ينغص عليها حياتها و مما حكته أنها لا تفهم لما يحسب الناس عمل المومس عملا سهلا, هنا انجرف كلامها ليشبه خطابا نقابيا, فالمومس لا تملك تأمينا على حياتها ولا معاشا كما يمكن ألا تأخد أجرتها و لا قانون تلجأ إليه لتحصل على حقها, أضف على هذا أنها تتحمل تبعات هذا العمل لوحدها و يمكن في أي لحظة أن يقع حادث شغل, فتضطر أن تدفع ثمن عملية الإجهاض من مالها و ضميرها, ويجب أن تكون حذرة, ''ماشي غير أجي و كون ... '' هنا فقد الطبيب أعصابه و انهال عليها بوابل من الشتائم التي لم تبخل بها عليه هي أيضا, قال أنه شخص يخاف الله و لا يقبل على عاهر أن تدخل عيادته ولا أن يستقبلها و يأخد مالها الحرام, طردها. لكن مشكله ''العالية'' كانت قد حسمتها, شعرت بعد خروجها من هناك أن قلبها برد و روحها خفيفة, فأي ضمير و أي هرطقات, ''الضمير ماكين حتى عن الطبيب و يكون عندي أنا'', ضحكت ملء شدقيها و نزلت الدرج. و بينما كانت تنزل رأت على الجدار الأزرق عبارة مكتوبة بالفحم, ''الدنيا اللي قحبة ماشي حنا''. تهجأتها و رددتها حتى حفظتها و عادت لتعيش حياتها هانئة و سعيدة إلى الأبد. |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: رد: سعيدة الثلاثاء 10 أبريل - 16:56 | |
| |
|
العراب قلم ماسي
الجنس : عدد المساهمات : 62724 تاريخ التسجيل : 30/09/2013
| موضوع: رد: سعيدة الثلاثاء 10 أبريل - 20:22 | |
| |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| |