كوقعِ المطر..
كانت الساعة تُشير للواحدة صباحا .. قطراتُ المطر تهوي على رؤوسِ المارة خلف الزجاج كانت تبدو كل الوجوهِ عابرة.. شاحبة كظلّ طفلٍ يطرق الباب ويختفي..كم هي معقدة المعادلات التي يحظر فيها المطر..
وينزوي الحنين في لحظةٍ ما.. لا شيء سوى صوتُ عقاربِ الساعة.. ووقعِ المطر.. كان المكانُ صاخبا مُزدحما بالمشاعر..
حيثُ لا شيء غيرَ الذكريات.. وبضعُ أمنيات يقتلها البُعد ويزيدها الشتاءُ برودةً..
وفي المقهى تُولد التفاصيل الصغيرة و تتخفى تحتَ مِعطفِ اللقاء.. لقاءٌ يبدأ صدفةً .. بنظرةٍ .. وينتهي بعناقٍ .. جلست على الطاولة.. كانت تبدو نحيلةً .. ذاتُ ملامحٍ مخملية.. يزيدها الحزن جمالية.. كان شعرها يتطاير كحباتِ المطر.. جلست وأخرجت علبة سجائر .. وتنفثُ دخانه على وجهِ كلّ ذكرى عابرة..
أحيانا يُداهمنا الحنين للحظات .. وربما لأشخاص.. فلا نجد سوى الذكريات.. هكذا أحست زينب عندما دلخلت عالمه الخاص.. عالمٌ مليءٌ بالضياع.. تضيعُ فيه المشاعر .. ولا يتبقى شيء غير الشرود..
كان المكانُ يعجّ بالحكايا.. بالذكريات.. لا شيء آخر قابل للكسر.. غير الزمن الذي يجري خلفَ عقاربِ الذّكرى
هناك قلوبٌ أيضا قابلة للكسرلنصفين.. نِصفٌ يرحل.. والأخر يمضي بعيدا.. حيثُ الإحساس بالوحدة والإحتياج..
غير أن طفلا في عمر السنتين كسر حاجز الصمت وأيقض بزينب شعورا بالدفئ والسعادة فظلت تُراقبه من
مكانها.. كأنما وجدت شيئا كان ناقصا للآن..
أمير هو الآخر يعيشُ حالة فراغ.. حالةَ فقدان.. فيدلفُ نافذة الأرق.. ويرمي بأحلامه .. يتفقد الشرفة فلا يجد سوى فنجان قهوةٍ فارغ.. ومذكرة وقلم.. منذ آخر لقاءٍ لهما معا..
يُمسك بمعطفه الشتوي.. وبشالها فيستنشق منهُ عطرها..ويسيرُ غير عابئٍ بمصيره.. وتسقط خلسةً ورقة من بين
صفحاتِ مذكرة.. فينحني ليلتقطها.. بضعُ كلماتٍ أيقضت بداخله تفاصيل كادت تختفي .. من فرط الإهمال..
أمير يا حلما تاه بين دروبِ النسيان.. وعُمرا نقيا لم يعد قابلا للإمكان .. فتمضي كأنك شيئا لم يكن بالحسبان.. تمضي ويمضي عُمرنا سويا إلى حيثُ اللا مكان..
وفجأة رحلت الكلمات مع موجةِ ريحٍ عابرة ورحل معه شالها وبقي وحيدا يُمارس فن الخذلانِ بمهارةِ فنان فقد ريشةَ أحلامه.