كان يا مكان، كان في ليلة مظلمة حيث إختفت الظلال ورحلت ....
تسلل دون أن يصدر أي صوت في الدرج متوجها لغرفته، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، عشق الظلام وسكون الليل حيث يعم الهدوء وينتشر الصمت في المكان كانت له رفقة من صديق، رائحة الخمر تفوح من كل واحد منهم تضرب على بعد أمتار، والدته لم تنم تلك الليلة كانت تنتظر دخول إبنها للمنزل بعد هذا التأخر، لم يطمئن لها بال فهو اﻹبن الوحيد للعائلة بعد وفاة شقيقه في حادثة غريبة بعض الشيء، كان ذلك قبل ثلاثة سنوات في عطلة الصيف، كان يسبح في الشاطئ المتواجد خارج المدينة التي يسكنونها إلى أن غاب ولم يجدوا له أثر حتى جثته لم ينتشلوها في البحر كانت صدمة للفتى المتأخر ليلا السكران يوميا وفاة شقيقه تلك الغير مصدقة، كانوا متقاربين في العمر، سمعت والدته همسات الصديقان بعد بلوغهم الغرفة المتواجدة في الطابق العلوي كانت ضحكاتهم غير مسموعة بالنسبة لهم لكن سكون الليل الذي يعم المكان أعطاها صخبا مسموعا مما أدى لحضور اﻷم المسكينة لما طرقت باب الغرفة مستأدنة الدخول، بدون مقدمات تنهدت وقالت : بني إلى متى هذا التأخر ليلا والسهر في الشوارع واﻷزقة إلى متى هذا الشرود إلى متى يستمر سيرك في هذا الطريق وماذا أنت فاعل بنفسك أنظر لوجهك في المرآة ؟! هل شممت رائحتك النتنة ؟ أين دهب ذلك الفتى الأنيق الوسيم ؟ إلى متى يا بني إلى متى .... والدمع من عينيها يتغلغل، يا ولدي أتعلم أنه لا يطيب لي نعاس إلى أن أراك داخل المنزل حتى ان حضرت فهولي عليك وعلى مستقبلك يزيدني توترا، أريد أن أراك يوما رجلا واقف دو شخصية قوية أريد أن أراك كما تتمنى كل أم أن ترى إبنها عريسا نحتفل بزفافه يوما، لا أريد سماع سخرية الجيران فهذا يصيبني بالكآبة المطلقة لقد إكتفيت من سماعهم كل يوم يتحدثون عنك ... لقد أصبحت حديث الصغار قبل الكبار وهذا اﻷمر يزعجني ويحرجني عد إلى رشدك ويكفيك من هذا الجنون ...
سمير ذلك الفتى المهدب ذلك اﻷمير دو البشرة البيضاء والجسم الرياضي الضخم، في ضرف ثلاثة سنوات من كان يعرفه أنداك يصعب عليه التعرف عليه اﻵن، كان ذلك بسبب المخدرات وكثرة شرب الخمر وكل أنواع السموم حيث لا يميز بين هذه وتلك يكفيه أن يرمى في غيبوبة منومة ثم يأوي لفراشه غير مدرك للعواقب، رحل سمير المعروف باﻷدب واﻹحترام ورحلت معه كل ذكرى جميلة كانت بعد رحيل شقيقه بل توأم روحه كما يدعي، كلمات والدته لم تفارق مسامعه بعد مغادرتها غرفة نومه، أما صديقه فقد غط في نوم عميق .... أطفأ أنوار المصابيح واكتفى بنور شمعة سائلة كسيلان الدمع من عينيه، لاحظ التغيير المفاجئ على حياته لما سيطر عليها السواد، لم يستنجد بحبل اﻷمل ﻷنه لا أمل في حياة غدارة كما سماها هو، كل ليلة داخل غرفته كان يكتب بدمع عينيه في أوراق مبعثرة لو جمعتها ﻷلفت منها أربعة كتب ولكن لا أحد كان يعرف ماذا كان يكتب ! ﻷنه كلما إنتهى من الكتابة فور إستيقاضه في الصباح يعاود قراءة خربشاته ثم يكتفي باﻹستمتاع وهو يتأمل النار تلتهمها، بقي هذا لغزا محيرا للجميع، سمير حاصرته الأفكار الموحشة وعنف اﻷحداث لما أحس بضيق داخل صدره كل شيء كان ضده، حتى نفسه الطاهرة ضده، أما ضميره فكل يوم يؤنبه، لقد أصبح عبئا ثقيلا على نفسه ولم يعد يستحمل، أما عن أمه فهو يعلم أنها تعاني أكثر مما هو يعاني ...فجأة إرتسمت على وجهه إبتسامة غريبة لم يتبسم مثلها يوما بدون شعور أخد حبلا كان في صندوق تحت سريره وقرر أن يضع نهاية لحياة ملعونة كما سماها، فتح نافدة غرفته وعلق الحبل لخارج الغرفة لما تأكد أنه محكم جيدا من الداخل .... ، قبل أن ينفد ما يجول في خاطره ويستسلم للحياة أخذ ورقة بيضاء وخط بأنامله :
" لم يكن يوما سعيدا بما فيه الكفاية ولم يكن حزينا أيضا.
سامحوني إن لم أكن يوما كما تريدونني أن أكون فحياتي لم تعد تخصني. ذلك الكلب اﻷسود جعلني أبدوا كأني أكبر من عمري واﻷن حضر وقت رحيلي وخلاصي .. الوداع "
سمير.
هكذا كانت كلماته اﻷخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه ويرحل عن هذه الحياة تاركا وراءه نزف ألم أخرس بعد أن إنتهت كل محاولاته للهروب.