لم يكن هناك شيء سوى الجدران الأربعة لتضحتضنها،
ولم يكن هناك سوى صدى صوت بكائها يروح ذهابا
وإيابا بين تلك الجدران،لوحدها تبكي ولا يشعر بها
أحد،فإذا جاء الليل جلست لتبكي لوحدها،لا يعلم
عن حالها سوى خالقها،وكل هذا عندما تعود بها قافلة
الذكريات لثلاين عاما ،عندما كان ابنها مولودا صغيرا
لا يفقه شيئا ولا يستطيع أن يعتني بنفسه في أي شيء
فتذكرت تلك الليالي التي كانت تسهر فيها لأجله،وكانت
تحممه،وتطعمه،وتسقيه،وتقبله،وتحتضنه في دفئها
بينما البرد كان يحتضنها هي،وتنعشه في عز الحر
عندما كان الحر يحرق جلدها،كل هذا كان لأجله،حتى
ما إن كبر واشتد عوده،تزوج بامرأة قاسية لا ترحم
أبدا،سليطة اللسان،خبيثة التفكير لدرجة أنها تمكنت
من السيطرة التامة على زوجها،ومع الوقت جعلته
عاقا تمام بوالدته،فباع والدته لأجلها،وبالرغم من أنها
لم تشك من مرض ما،قام برفع قضية على والدته
ليصادر كل أملاكها بما أنها أصبحت مجنونة وهي
ليست كذلك،وفعلا ربح القضية،وانتقلت جميع أملاك
والدته وهي لازالت على قيد الحياة له ولزوجته،وتمكن
من رمي والدته في مستشفى المجانين.
مرت السنون وأصيب ابنها بالسرطان في قدميه
واشتد خطره،مما اضطر الأطباء لبتر كلتا ساقيه
الاثنتين،فلم يتمكن من العمل وظل طريح الفريش
ولم يتمكن من السير،ففكرت زوجته الخبيثة لتتخلص
منه ،فطلبت منه أن يجعل كل شيء باسمها لتدير كل
شيء،ولكن عرضها قوبل بالرفض،هددته بالرحيل
إن لم يكتب الأملاك باسمها،وتحت الإصرار منها قبل
بالأمر لأنه يحتاجها،وبعد أن كتب كل شيء باسمها،
غادرته بصمت ولم يبق معه أحد،وفي تلك الأثناء
وصل الخبر إلى والدته،فتقطع قلبها بالحزن عليه
وحاولت الخروج من اكتآبها ،وبكل الطرق حاولت
أن تثبت بأنها لا تزال عاقلة،وفي تمام وعيها،وكان
مدير المشفى يراقبها عن كثب،وخصوصا بأنه يعلم
بقصتها كلها،فكان قراره حاسما بأن تخرج فهي
امرأة عاقلة ولا تشكي من أي مرض،فسخره الله
لها ليكون سبب خروجها،وعودتها للاعتناء بابنها.