دموع المذنب والغفران
تجلسُ مع بعض العُصَاة - وكلنا عُصَاة - لكن بعضهم أتاك يشكو إليك نفسه
يخاصمها إليك لأنها غلبته ونازعته لهنات تلتذ بها، تُشقيها، ومع ذلك تأتيها
ينهاها عن غيها وتعصيه، وبالذنب تخزيه، وفي حَلْقِه آهاتٌ تتحشرج، وحروفٌ
تتردد، تمتماتٌ وتهتهاتٌ من حُرقةِ الذنب.
وآه من تلك العيون.. كسيرةٌ حسيرة، ذبولٌ يعتريها والدمعُ يجولُ في مآقيها
كأنَّه من حرارةِ الذنبِ يتبخر، فلا هو ينزل، والقلب يتبرد، أو يجفُّ الدمعُ والجأشُ يسكن!.
ومن انكسار العاصي والتألم نستحي ونتعلم، فربَّ عاصٍ بذنبه يتقطعُ
ولله يدعو ويتوسل ببغضه للذنب وضعفه عند الزلل، وذلة الاقتراف وكسرة
الاعتراف، يا لله على هذا المشهد عساه يرفع القدر، فرب معصية أورثت
ذلاًّ وانكساراً ومعرفةَ النفس بالنقص وبما لا يجوز في حق الإله.
ويا بؤس من كان على العكس له طاعات لكنها مهلكات يُدِّل بحسناته تارة ثم يُعجَب
ثم يعود بخفّي حنين رغم ما بذل من جهد، فحينما يعرض المسكين على الله
يدرك أن عمله صار هشيماً في يوم ريح، ويبدو عياناً له ما كان يلقاه، ويعلم
وقتها أنه رغم طاعاته العديدة، فاليوم وقف أمام الله بالإفلاس.
وبعد الغنى عاد بالإملاق، فلا أم وقتها تحنو عليه، ولا والد يقيل عثرته
ولا أخ يشد من أزره، ولا صاحبة تستر السوءات، عارياً أمام الله من شيعةٍ وأنصار
وصفر اليدين من أعوان، لا شيء بين يديه إلا سوءة الإدلال بطاعاتٍ وقربان.
ومما يزيد من الهم أن ثمة عاصٍ اعتصره من قبلُ ذنبُه، فسال منه الدمع ندماً
قد يمضي بتكريم وقد عرفَ في نفسه النقص وربَّه بالكمال، فماذا يغنيك يا من
أطعْت يوماً وما اعترفت بأن طاعتك منة عليك وليست منة على الرب؟.
وما يفقر العاصي لو نكس أمام ربه الرأسَ؟ وبالنقص والجرم بلله الحياء والندم، فعفا الله عنه
بالكرم، وعقب على دموع المذنبين بالغفران، وأخذك أيها المدل بالطاعة بسيف العدل والعزة.