معالم العيـون التي تخالف السريرة !!
ذاك ناد صريحاً مستوفياً وجازماً وقال أنا خصمك .. فقلت له أنت أصدق من غيرك .. وذاك أظهر المودة ثم ألبسني ثياب الإخاء رياءً وقال أنا خلك .. فقلت له لقد خدعتني وآذيتني بفرية قولك .. عيني على الخصم تراقب حريصة وجازمة ً.. أما عيني على الخل فتنام على غفلة .. والعصر فيه المظاهر خادعة .. وفيه المسميات بدعة !.. الإخاء والوفاء والأرحام والدماء والصداقة والزمالة والرفقة قد أصبحت مجرد أغطية تحجب النوايا السالبة !.. وهو ذلك العصر العجيب الذي يطالب بتمزيق صكوك الثقة في الآخرين .. بقدر قاطع لا يقبل التأويل !. المرء فيه لا يخشى من غدر الأفاعي المتربصة السامة بقدر ما يخشى من غدر الحمامات الوديعة الوادعة .. والناس في هذا العصر تلبس ثياب الزيف ترساً وتتقي الجزاء غدراً .. ولا تبالي بالعواقب التي تعني اللوم والملامة !.. كما أنها لا تخشى من مغبة التصدع في جدار البين حين يغلقون الأبواب بأنياب العضة !.. بل تنتهز تلك السانحة المتاحة وهي تعلم بأنها سوف تفقد المكانة في القلوب حتى قيام الساعة .. وتلك الحالة تؤكد أن المعنويات الإنسانية قد أصبحت اليوم سلعة تباع في أرفف الأنانية والتخطف .. إن لم نقل في أرفف التغفيل والاستغلال !.. والشاطر في هذا العصر هو من يبادر بالخطف قبل الآخرين .. فالأنانية قد أصبحت من عدة الشطار أهل الخبث في الأفكار .. أما الخوف من تجريح كبرياء ومشاعر الآخرين فقد أصبح من عدة البلهاء .. في الماضي كانت النغمة السائدة هي روعة التضحيات والإخاء .. حيث الأنفس التي كانت تقول : فلنضحك سوياً ولنبكي سوياً .. ولنجلس سوياً ولنرحل سوياً .. أما في الحاضر فالنغمة السائدة هي : فلنتشارك في حال الوليمة والمسرة ولا نتشارك في حال الأذية والمضرة !.. والحسرة التي تعصر القلوب هي أن الكثير والكثير من المفاهيم قد سقطت عن سلة القيم والأخلاق في عالم اليوم .. وقد أصبحت من علامات التخلف والغباء .. فالعبرة في وسام يناله الفائز في السباق بغض النظر عن خيانة الرفاق !.. والكل في هذا العصر يتجرد إنصافا وأخلاقاً ليصرح قائلاً : لا تهمني مناسك المعية .. ولا تهمني مناسك الرفقة .. ولا تهمني مناسك الأرحام والدم والصلة .. ولا تهمني مناسك التشابه في المهنة .. ولا تهمني مناسك الدروب التي جمعتنا في مقاعد المدرسة .. ولا تهمني مناسك الظروف التي شملتنا في مراحل الشقاء والمحنة .. ولكن تهمني مقدار الحصة عند القسمة !!. وفي المحصلة والنهاية لا بد من أقدام تطال الرقاب عنوةً لتنال المرام والرتبة !.. أقدام لا تبالي حين تطمس رؤوس الآخرين في الأوحال .. أصحابها يجتهدون لفرض شروط أهل الغاب .. فالقوي هو من يمتطي أظهر الضعفاء ولا يبالي !.. وهو الذي يضرب بعرض الحائط تلك المفاهيم والمعنويات التي أصبحت من مسقوطات الزمن .. وآه من زمن مفاهيمه هي تلك الخرساء البكماء التي تجلب الغم والمغص والمحن .