منذ ولادتي ودخولي في عالم الابتلاءات (الدنيا)،كنت
قد ولدت بعيب خلقي وكان العيب فقداني ليدي
الاثنتين،فكنت هما أوجد لوالداي من العدم،وظن
الجميع من حولي بأني لن أستطيع العيش بطريقة
طبيعية كما يعيشها كل الناس،وبأني خلقت لأتعذب
نفسيا وأعذب من حولي،يظنون بأن علي
الأكل ،والشرب،والنوم فقط وطبعا بمساعدتهم لأني
لن أستطيع أن أساعد نفسي بنفسي،و عندما كبرت قليلا
وأصبحت في السن السادسة من عمري،لم أدخل
المدرسة ولم يشجعني أي أحد على دخولها،فمضت
السنون تلو السنون وأنا أكبر بلا هدف في الحياة
وبلا أي إنجاز يذكر حتى ولو كان صغيرا،وظللت على
هذه وأنا قد أصبحت في سن الرابعة عشر،وكنت قد
وصلت إلى مرحلة مميتة من الاكتآب كادت أن تفقدني
حياتي،وكنت أرى الدنيا باللون الأبيض والأسود،لا طعم
فيها ولا رائحة،فقط خلقت لأكون على نفسي وعلى من
حولي،حتى قادتني أفكاري السلبية إلى فكرة الانتحار،و
بهذه الطريقة أريح نفسي وأريح من حولي من همي
،فقد رأيتها هي الحل الوحيد،وفعلا في منتصف الليل
وبينما الناس نيام،خرجت ركضا نحو الجسر،وقد كان
الجسر فوق مكان مرتفع جدا جدا ومناسبا تماما لموتي
بطريقة لا تجعلني أنجو من الموت،وعلى حافة الجسر
هناك ارتفاع قليلا بحيث حاولت الصعود عليه بقدماي
ولكني لم أستطع لأنه بكل تأكيد كان صعب علي
الصعود بالقدمين فقط،أعدت المحاولة أخرى فلم
أستطع،وأعدتها مرة ثالثة فلم أستطع أيضا،ولكن في
المحاولة الرابعة نوعا ما استطعت الوقوف عليها ولكن
سرعان ماسقطت إلى الوراء،فشعرت بأن هذا تحد لي
يجب اجتيازه،وفي المحاولة الخامسة كنت تقريبا
قد تمكنت منها و استطعت الوقوف لفترة
وجيزة،وعدت مرة أخرى وسقطت،وفي المرة الت
تليها كنت قد تمكنت تماما واستطعت الوقوف
فشعرت بفرح عجيب لم يسبق لي أن شعرت به طوال
حياتي ،وكان مؤقتا ثم زال لأني أن أنتحر على أي حال
وفعلا وقفت وبمجرد ما أن أريد أن أرمي نفسي شعرت
بيد شخص ما امتدت وأمسكتني من خصري وسحبتني
ورمتني على الأرض،وما إن نظرت لأرى من هذا
الشخص رأيته رجلا كبيرا في السن،ولكن لا يزال في
تمام قوته وصحته وكأنه شاب،خاطبني قائلا : انهض يا
بني!
أنا آسف على مافعلت!
ولكني غاضب منك جدا ،لقد كنت مارا من هنا
وصادفت وجودك عند الجسر ،وشعرت بأنك غاضب
من شيء ما،وما إن حاولت أن تصعد حتى عرفت
أنك تود الانتحار،ولكن عجبت منك كيف كنت تعيد
الكرة تلو الكرة حتى نجحت في الصعود،ولكن غضبت
عندما أصررت على الانتحار،يا بني أتظن بأن الانتحار
هو الحل لمشكلتك وأيا كانت هي ؟!.
قلت له: أيا عمي!
لقد تعبت والله تعبت!
أنا أعيش في هذه الحياة بلا أي هدف،والسبب في كل
هذا لأني ولدت بعيب ليس لدي يدان،وهذا الابتلاء
أتعبني طوال حياتي هذه فلماذا أعيش أصلا،أنا لم
أنجز أي شيء يذكر في حياتي.
رد علي قائلا :أنت مخطئ يا بني!
مهما كان الابتلاء الذي أنت فيه،فإنك تستطيع كباقي
البشر،أنظر إلى قدميك هاتين هما اللتان ساعدتاك
على الصعود على الجسر،ومن اليوم فصاعدا هما اللتان
ستساعدانك على فعل كل شيء لك عوضا عن يداك.
تعجبت من كلامه وقلت: كيف ذلك ياعم؟
قال لي:أريدك أن تدرب نفسك على استخدام قدميك
في فعل كل شيء كان بالامكان فعله باليدين،أي أريدك
أن تقرأ الكتب،وتمسك القلم وتكتب،وتطبخ،وتأكل،و
تشرب وتفعل كل هذا وأكثر باستخدام قدميك
فقط،وأن تحاول تعلم كل هذا وتستمر في المحاولة
كما كنت تحاول هنا وأنت تريد الانتحار،وإياك أن تفقد
الأمل وتيأس،قاوم الحياة يابني وعاندها،فقد خلقنا
لنتحدى الابتلاء ونعيش سعداء مهما عصفت بنا الحياة
ولا نيأس.
كانت كلماته قد جددت فيني الأمل،وأشعلت بداخلي
الارادة،وتحمست كثيرا،وبكل فرح وحماس قلت له:
نعم!
معك حق يا عمي أنا سأحاول،وأعدك بأني سأنجح.
رد علي قائلا: وأنا أعدك بأني سأظل معك حتى تنجح.
مرت أشهر وأنا كنت أتدرب على استخدام قدماي
عوضا عن يداي ،وكان العم بجانبي يشجعني،وكنت
قد التحقت بالمراكز الخاصة لمن هم بمثل حالتي
شجعوني ودربوني أكثر على تخطي أزمتي باستخدام
قدماي،وفعلا حققت ماكنت أتمناه وشعرت بأني أعيش
أخيرا كباقي البشر أخدم نفسي بنفسي ولا أحتاج
لمساعدة من أحد،وبعدها وسعت دائرة أحلامي
وأهدافي وقررت الدخول إلى المدرسة والبدء من
الصفر،وفعلا التحقت بالمدرسة وتجاوزت كل المراحل
وتخرجت لأكون اليوم من أمهر المهندسين المعماريين.