فتحت هاتفها وبدأت تقلب بين الصفحات الى أن استقرت على صفحته. لوهلة خطر ببالها مراسلته.. منعت نفسها بشدة كونه لن يكلف خاطره للإجابة. مرت الايام وهي بين شد وجذب فقد كانت كلمات عدة في جعبتها تريد قولها له، حتى غلبها الحنين هذه المرة وبدأت تخط بضع سطور إليه، وما هي إلا لحظات حتى زين اللون الأزرق سطورها معلنا تواجد قارئها متصلا. بدأ قلبها يخفق من شدة الفرح. شعور افتقدته منذ أشهر طويلة. شعور جعل شريط ذكرياتها معه يمر ببطئ مشهدا مشهدا أمام ناظريها مع كل حرف يظهر لها أنه يكتبه. ابتسمت لكل ما مر كالحلم بينهما وعبست عند كل كابوس عاشاه، حتى استيقظت على أرعب كابوس حين قرأت ما أرسله كرد على رسالتها: من معي؟
رأت شظايا شريط ذكرياتها تتناثر دون رحمة دون أن تملك ردعها عن أذيتها. جرحت عيناها حتى سالت دماء من مقلتيها رثاء على حالتها تلك. جرحت قلبها حتى توقف نبض لطالما صرخ في وجهها دفاعا عنه، لطالما أكد حبه لها وأنه لن ينساها، بل وعاتبها على قسوتها بادئ الأمر.
لم تملك غير الخروج من صفحته وضغط زر المسح. لعلها تنهي الألم الذي أحست به. لكن هيهات أن ينتهي شعور بكبسة زر!!
ألغت الهاتف من قاموسها حدادا لمدة بسيطة بعدها عادت لتفتح صفحة جديدة برفقته وما إن فتحته حتى وردتها رسائل عديدة من رقم لا تعرفه. كانت رسائل تعارف لم يسبق وأعارتها اهتماما لكن هذه المرة توقفت عندها وقالت لما لا؟ أحست أنه لابد وأن تلغي تعلقها بتعلق آخر. وما ان عزمت على الرد حتى رن هاتفها اتصالا واردا من احدى صديقاتها.
ألو السلام عليكم
* ياسمين أنجديني..
كان صوت صديقتها هدى يرتجف وكأن مصيبة حلت على رأسها وبالفعل كان الأمر كذلك. فقد شكت لها مرارة أمر خطيبها محمود الذي تخلى عنها بعد شجار نشب بين الأمهات على تفاصيل العرس. كان هذا قبل أربعة شهور لكن الحرقة التي تحدثت بها هدى جعلت الأمر وكأنه حدث لتوه. طلبت صديقتها رؤيتها فلبت ياسمين الطلب هرولة.
وما ان اختلتا في غرفة هدى حتى انهارت بكاء وهي تقول:
* لا أستطيع نسيانه يا ياسمين اعتدت على وجوده في حياتي. افتقدت كل تفاصيله.. حبه.. اهتمامه.. رسائله.. كل شيء يا ياسمين كل شيء..
لم تعرف ياسمين كيف تخفف عنها فقد كانت تعبر عن لسان حالها فقط اكتفت بالطبطبة على كتفها وهي مرمية بين أحضانها تكفكف عبراتها تباعا حتى انتفضت مرة واحدة وقالت:
* ياسمين علي أن أحادث شخصا غيره. علي أن أعتاد على غيره هذا هو الحل لأنساه.
ردت ياسمين بقسوة: ما هذا الهديان يا هدى؟ وما هذا الحل السخيف؟ عوض أن تلقي همومك على الله تفتحين على نفسك ذنوبا أخرى؟
انتبهت لقولها وقد كانت على عتبة الرد على تلك الرسائل دون وعي منها. رأت هذا الموقف كإشارة تنبهها على سوء المصير الذي كانت ستلاقيه لو تسرعت وألغت منطقها في لحظة الضعف تلك.
استرسلا لقاءهما بذكر الله والقضاء والقدر واحتساب الأجر على الله. من يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
ودعا بعضهما وكل منهما تحمل قلبها تودعه بين يدي ربها هو يجبر كسره. وعاهدا نفسيهما ألا يقنطا من أي ذكرى جميلة مضت في حياتهما بل وجعلها مصدر قوة للمضي نحو سعادة أبدية لا ضعف يودي بهما للهلاك.
عادت ياسمين لبيتها وأول ما فعلته فتحت رسائل التعارف تلك وحظرت صاحبها ومسحت صفحته. بعدها توضأت وصلت وخصصت دعاء منها لمن قال لها من معي؟ ألا يمر اليوم حتى يتألم قدر ألمها فتستكين روحها وتذكر بعدها الأجمل..