رجل يسمى ابن جدعان يقول : خرجت في فصل الربيع،
وإذا بي أرى إبلي سمانا يكاد الربيع أن يفجر الحليب من أثدائها، فنظرت
إلى ناقة من نياقي
وكانت أحب حلالي هذه الناقة قلت في نفسي: لأتصدقن بهذه الناقة لجاري،
وكان فقير الحال وله سبع بنات، فأخذت الناقة وطرقت عليه الباب،
فلما فتح لي قلت له: خذ هذه الناقة هدية مني لك. ففرح فرحا شديدا لا يدري
ماذا يقول من شدة الفرح، فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها، وجاءه
منها خير كثير.
وعندما جاء فصل الصيف بحرِّه وجفافه وأخذ البدو يرتحلون طلبا للماء
والكلأ، يقول ابن جدعان: شددنا الرحال ثم أخذنا نبحث عن الماء في
الدحول(الدحول:هي حفر من الأرض توصل إلى أماكن يتجمع فيها الماء)،
فدخلت في دحل من الدحول لأحضر الماء،
وكان أولادي الثلاثة ينتظرون خارج الدحل، فتاه أبوهم ولم يعرف الخروج،
وانتظر أبناؤه ثلاثة أيام،
ثم قالوا: لعله تاه تحت الأرض وهلك، وكانوا ينتظرون موته طمعا في المال،
فعادوا إلى البيت مسرعين وقسموا المال بينهم، ثم تذكروا أن أباهم قد أعطى
جارهم ناقة فذهبوا إليه وقالوا له: أعد لنا الناقة وخذ بدلها هذا الجمل
وإلا سنأخذها بالقوة ولن نعطيك شيئا بدلا عنها.
قال الجار الفقير: أشتكيكم إلى أبيكم.
قالوا: إنه مات .
قال: مات ..! كيف؟ وأين مات؟!
قالوا: دخل دحلا في الصحراء ولم يخرج منه.
قال: خذوا الناقة ولا أريد جملكم، ولكن دلوني إلى مكان الدحل.
فأخذوه إلى مكان الدحل وتركوه وانصرفوا عنه.
فأخذ حبلا، ثم ربطه خارج الدحل وأخذ بيديه شعلة ونزل يزحف على قفاه حتى
وصل إلى أماكن فيها يحبو وأماكن فيها يزحف،
ثم شم رائحة رطوبة الماء تقترب، وفجأة سمع صوت أنين، فأخذ يقترب من مصدر
الصوت وأخذ يتلمس بيده،
فوقعت يده على الطين ثم وقعت على الرجل، فوضع يده على أنفاسه فإذا هو حي يتنفس،
فقام وجرَّه بعد أن ربط عينيه حتى لا يتأثر بضوء الشمس، ثم أخرجه خارج الدحل
وأطعمه تمرا، ثم حمله على ظهره، وجاء به إلى داره ودبَّت الحياة في الرجل.
فقال له الجار الفقير: أخبرني كيف مكثت أسبوعا كاملا تحت الأرض ولم تمت؟
قال ابن جدعان: سأخبرك، لما دخلت داخل الدحل ضعت ولا أدري أين أتجه،
فأويت إلى الماء وأخذت أشرب منه، إلا أن الماء وحده لا يكفي، فبعد ثلاثة
أيام أهلكني الجوع، ولكن ما الحيلة؟
فاستلقيت على ظهري وفوضت أمري إلى الله، وإذا بي أشعر بدفء اللبن يتدفق على فمي،
فاعتدلت في جلستي، ولكن من شدة الظلام لا أرى شيئا إلاَّ أني أشعر بإناء
فيه لبن يقترب من فمي فأشرب حتى أشبع، ثم يختفي، فأخذ يأتيني ثلاث مرات
في اليوم،
إلا أنه انقطع منذ يومين ولست أدري ما السبب؟
قال الجار: أنا أقول لك سبب انقطاعه،
لقد ظن أولادك أنك مت وجاءوا إليَّ وأخذوا الناقة التي كان الله عز وجل
يسقيك منها، والمسلم في ظلِّ صدقته.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في
الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة "
صحيح رواه الحاكم