كادت الشَمس تغرب حين دقَ الجرس معلنا نهاية يوم دراسي طويل ,خرج التلاميذ وكلَهم أمل بملاقاة أحد الأقارب
عتد باب المدرسة لكن هندا كانت تعلم
يقينا أن لا أحد ينتظرها بالخارج,لقد كانت الأمطار تتساقط والرَياح تلفح وجوه الصَغار...لكن فرحتهم بملاقاة الأهل كانت تنسيهم عناء يوم طويل.
أخرجت هند مظلتها الصغيرة وهامت على وجهها كالعادة وحيدة تسابق الخطى وصوت الرعد يدوَي وكأنَه صفَارة إنذار تعلن أن الحرب
قد وضعت أوزارها ,رجعت كعادتها مثقلة بهموم الحياة وحيدة تستنير بأضواء خافتة من هذا المنزل أوذاك العمود لأنَ المدرسة كانت بعيدة بما يكفي لكي تصل تحت ستار
الظلام...لم تكن هند لتخشى سواد الليل أو نباح الكلاب لأنَها كانت ولا زالت أبنة الجندي حسن ذاك الذي فارقهم منذ أربع سنوات تلبة لنداء الوطن دخلت الزَقاق الضيَق فوجدته على غير العادة يضجَ الحياة...بدأت تشقَ طريقها وسط الزَحام وبدأت ضربات
.قلبها تزداد فقد كانت بوادر الفرحة قادمة من منزلها...لقد كان منزلها غير مزوَد بالكهرباء لشدة فقرهم
هناك عند مدخل باب منزلها كان يقف رجل طويل القامة ,عريض المنكبين سمرة وجهه ووسامته تظهر تحت قبَعته
العسكرية يحمل بإحدى يديه أخاها الصغير ذو الأربع سنوات وبالأخرى يستقبل الزَوار ويدعوهم للدخول..
كان صوته لا يزال يتردَد بمسامعها أنَه أبوها الذي
طال آنتظارها له أسرعت إليه وعيونها تذرف الدمع ..ضمَها بحرارة وقال لها لا عليك ياصغيرتي فكلَ شيء
قد انتهى وسأعوَضك عمَا مضى دخل الجميع وبدأت نساء الحي كلَ منهنَ تأتي بما لذَ وطاب وبعد أن أكل الحميع طلبوا من أبيها
أن يحكي لهم عن بطولاته التي كانوا يسمعون بها من هنا وهناك سرد عليهم تفاصيل الحرب التي عاشها وكيف
أسر ذات مرة ثمَ أخرج من جيبه محفظة صغيرة وبين طيَاتها كانت هناك ورقة مطويَة بعناية
لوَح بها قي السماء وقال هذه كانت سبب خلاصي من الأسر ناولها أبوها إيَاها فقد كانت تحتوي على بضع
شعيرات من خصلتها ورسمة رسمتها وهي طفلة لم تعد تتذكرها فقد خلَوا سبيله إكراما لحبَه هذا حينها رفع يد أبنته عاليا
(وقال (الحبَ أقوى من الحرب )