KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: صدى الحرمان الإثنين 17 أغسطس - 10:38 | |
| صدى الحرمان بلغت مركز مدينتي الصغيرة، و هو عبارة عن شارع قصير تتراص على جنباته حوانيت البقالة و بائع مواد بناء و محل حلاقة و مقهى شعبي، و يقع في آخره مسجد قديم زينت صومعته و سطحه بقرميد أخضر.و قد تزامن وصولي مع خروج المصلين من المسجد بعد أدائهم لآخر صلاة عشاء رمضاني لهذا العام فازدحم بهم الشارع على غير عادته في باقي أيام السنة في هذا التوقيت من المساء، أما في الليلة التي تسبق عيد الفطر فقد كان هذا الإزدحام أمرا مألوفا جدا. و إلى جانب المصلين كانت هناك مجموعة من الشباب ممن يسميهم أهل البلدة بالشباب المنحرف، لا يمتلكون مالا كافيا للجلوس في المقهى، تكدست أجسادهم على جنبات الشارع هنا و هناك و قد ألفوا التواجد في أماكنهم تلك طوال أيام السنة و لياليها يتداورون السجائر فيما بينهم و يتجاذبون أطراف الحديث و يتبادلون الدعابات، و السباب أحيانا.و كان الشارع أيضا يعج بحشد من المتسولين الذين حجوا إلى هنا من كل فج عميق بنية الحصول على زكاة الفطر، و هؤلاء هم صراحة سبب خروجي من البيت بغرض إخراج زكاة الفطر بعد شهر كامل من الصيام.طفقت أجول الشارع جيئة و ذهابا و يدي في جيبي تقلب بعض العملات المعدنية و عيني تتفحص المتسولين المنتشرين هنا و هناك باحثة عن الشخص المطلوب. كانو يقفون أو يجلسون على شكل فرق، مجتمعين ثلاثتهم أو أربعتهم يتهامسون فيما بينهم و يرمون المارة بنظرات استعطاف، و كان أغلبهم نساء في ثياب رثة تحكي ألوانها الباهتة حالهم البائسة.تجمعهم هذا ضايقني كثيرا، فما كان لدي من مال لن يكفي منهن سوى شخصا واحدا فقط، و لا أستطيع أن أناول إحداهن النقود أمام الأخريات فأترك نفسي تقع فريسة نظراتهن التي لن تكون ودودة على كل حال. لذلك استمر بحثي عن ذاك الشخص المنفرد محب الإنعزال.وجدت أخيرا ضالتي واقفة قرب باب دكان صاحب البقالة الصحراوي، امرأة مطرقة تنظر إلى الأرض في حياء، يبدو أنها تجاوزت الستين من العمر، تغطي التجاعيد معظم قسمات وجهها الذي لوحته أشعة شمس الصيف الحارقة و كانت ترتدي جلبابا برتقاليا و يغطي شعرها ثوب غامق. ما كنت لأقول عن ثيابها أنها بالية أو قديمة، بل كانت ثيابا في حال جيدة جدا مما أدخلني في حالة شك، ربما قد لا تكون متسولة غرضها الزكاة بل مجرد زبونة عند البقال تنتظر دورها لتبتاع حاجتها و تنصرف. خشيت أن أتقدم نحوها و أدس النقود في يدها فتعتبر فعلي ذاك إهانة فتكيل لي السباب علنا و أصبح في موقف محرج لا أحسد عليه.حزمت أمري و اقتربت منها بأدب و سألتها متلعثما :- هل.. هل أنت هنا يا سيدتي من أجل زكاة الفطر ؟ رفعت رأسها و قد بدا جليا من علامات الإستفهام التي علت وجهها أنها لا تتقن العربية، لكن و كأن أذنها قد التقطت كلمة زكاة ففهمت الموضوع و أجابتني، و هي تهز رأسها، بلغة أمازيغية محلية :- نعم الزكاة ! الزكاة.. أعدت سؤالها بنفس لغتها الأمازيغية لكن هذه المرة بصوت مرتفع و أكثر شجاعة : - هل تحصلين زكاة الفطر ؟ أجابت : - نعم، أنا هنا من أجل زكاة الفطر يا بني، و ماذا غير ذلك سيحملني على الوقوف في هكذا مكان بعيدة عن فراشي؟ و ما الذي سيجعلني أستحمل ألم ركبتي غير ضيق ذات اليد يا صغيري ؟كانت إجابتها هذه بعد أن نظرت إلى عيني مباشرة - و يا ليتها لم تفعل- و هي تحرك رأسها في حركة دائرية تروي قصة حسرة كبيرة، بنبرة صوت أشبه بصوت ممثل يجسد دورا شاعريا في إحدى مسرحيات شكسبير الحزينة، و ربما وقع صوتها في نفسي كان أعمق من ذلك.هل سبق لكم و أن نظرتم مباشرة إلى عينين تنطقان بأعنف مشاعر القهر و الحرمان ؟ أما أنا فقد فعلت...بدا لي أن من عينيها كان يطل قلب أو بقايا قلب ضغطه الفقر و تمادى في ضغطه حتى انكسر إلى ألف قطعة و قطعة كمرآة سقطت من علو السماء، قطع مدببة اخترقت قلبي فأدمته.لم أدري ماذا أفعل في تلك الحظة القاسية فقد ذاب فؤادي بين أضلعي و اختلطت علي المشاعر فأشحت بنظري بعيدا و أخرجت النقود من جيبي و دسستها في يدها التي امتدت نحوي فأطبقت على يدي و بداخلها النقود و انحنت عليها تود تقبيلها ! يا لهول الموقف ! سحبت يدي منها بحركة سريعة متشنجة و كأن نارا أحاطت بها و أدرت لها ظهري دون أن أنبس ببنت شفة وانسحبت من أمامها كذاك الطفل الذي أحرجه زملاء فصله أمام أنظار الجميع. لكن جزءا مني قد بقي معها و كأنما يريدني أن أستدير راجعا إليها فأرتمي أقبل يديها مرات و مرات و أرمي تحت أقدامها كل ما أملك و ما ملكت و ما سأملك من نقود و أنحني على كتفها و دموعي تنهمر فأهمس أن سامحيني يا سيدتي على ما ليس لي فيه ذنب، سامحيني لأن لا حول لي و لا قوة في ردع كل مسؤول عن تفقيرك أنت و أمثالك و خروجكم إلى الشارع طلبا للزكاة، سامحيني لأنني لا أملك القدرة على معاقبة كل مسؤول لم يحرك ساكنا ليخلصك من القهر بل و بذل الغالي و النفيس ليجعلك أكثر حرمانا و فقرا مما أنت عليه، سامحيني فأنا لن أعود و لن أعاود النظر إلى عينيك مرة ثانية فقد مات عمر، مات و ماتت معه كل رحمة تجاه الفقراء... |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: رد: صدى الحرمان الإثنين 17 أغسطس - 10:39 | |
| |
|
العراب قلم ماسي
الجنس : عدد المساهمات : 62724 تاريخ التسجيل : 30/09/2013
| موضوع: رد: صدى الحرمان الإثنين 17 أغسطس - 15:48 | |
| |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 207023 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| |