لابد و أنني كنت أبدو لها منذ اللحظات الأولى من لقائنا في قمة الرجولة و الأناقة أيضا إلى أن ناديت نادل المقهى و طلبت منه كأسا أخرى لأبرد بها كوب الشاي خاصتي؛
شعرت بكل تطلعاتها و آمالها في شخصي تهوي و تتحطم لآلاف القطع، بعينين ذاهلتين و ابتسامة هازئة على طرف شفتيها أخذت ترقب يدي و هي تسكب الشاي من كأس إلى أخرى و ترفعها إلى فمي ليقيس حرارة المشروب ثم تعود لحركتها الآلية و تقلبها من كأس إلى أخرى حتى تنزل حرارته إلى الحد المطلوب؛
لا شك أنها تجلدني في مخيلتها الآن، لعلها تسائل نفسها من هذا الذي يطلب كوب شاي في أول موعد غرامي له مع فتاة بل و يقوم بتبريده كطفل في الرابعة أمامها دون أن يبالي لمنظره، كيف يقدم على فعل كهذا لا يناسب جسده الضخم كدب قطبي؛
لم آبه للنظرة الأولى التي ستتشكل عني لدى هذه الفتاة، كل ما فعلته أنني تصرفت على طبيعتي في حركاتي و سكناتي، في كلماتي و همساتي.
كثيرون هم من يقعون في الحب عند رؤيتهم فقط للجوانب الجميلة و الكاملة التي يمتلكها الشخص الآخر، لكنه حب سرعان ما يتلاشى بعد أن يكشف كل منهما عن جانبه المظلم، أردتها أن تحبني، إن كانت ستفعل ذلك طبعا، على طبيعتي بمحاسني و عيوبي بنوري و ظلمتي فالكمال لله وحده؛ لن أدعي أنني فعلت ما فعلته عمدا لأختبرها لكنني كنت بكل بساطة "أنا"...
و قد حدث ما توقعته -تقريبا- فقد تحملتني لبقية اليوم بضيق واضح و ابتسامات صفراء كانت تقذفها في وجهي كل ثانيتين حتى كادت أن تفقدني هدوئي؛ و في اليوم التالي كانت قد اختفت تماما من الوجود و أقفلت كل طريق قد أسلكه للاتصال بها..