بعد أن قضى أسبوعه الأول في ترتيب عملية الدخول المدرسي بمعية مدير المدرسة ، بدأ يهتم بمقر سكناه و الذي هو عبارة عن قسم قديم غير صالح للإستعمال
أحضر سريرا من السوق الأسبوعي المجاور و من حسن حظه هناك مكتب متآ كل يجلس القرفصاء ارتأى أن يستعمله ربما قد يفي بالغرض
حيث رتب عليه بعض كتبه و ملابسه .بدأ أحمد يستأنس بهذه الوضعية الجديدة شيئا فشيئا . رغم المعانات التي عاشها في الليلة الأولى و هو يصارع وحيدا أشباح
السكن الجديد .فكان أول ما فكر في هو مراسلة صديقته ، تلك الفتاة التي أحبته و أحبها منذ ولوجهما فضاء الجامعة
حيث توطدت العلاقة بشكل كبير فشكلا بذلك جزأين أو قلبين لجسد واحد .
حركه الشوق العارم و الحنين الى تلك الأيام و الى الحب الكبير الذي جمعهما لمدة لا يستهان بها و الى الوعود التي قطعاها بينهما بل الى العهد الذي سطراه معا.
أخذ قلما و ورقة بيضاء فكتب الرسالة التالية :
صديقتي الغالية بل حبيبة قلبي التي علمتني معنى الحياة ...
ها هي لحظة البحث عن الذات وسط هذا العالم القروي الفسيح تجتاحها عاصفة الشوق و أحيت في أعماقي غريزة الكتابة و الحوار
مع إنسانة شكلت النصف الثاني من وجودي ذاك النصف الذي اعتاد أن يسافر مع كلماتي و يغوص في أعماقي بحثا عن لحظات للفرح
و أخرى لرسم الخطوط العريضة لعلاقة ستربطنا و الى الأبد . كنا نحلم معا و نخط معا دروب علاقة زواجنا المرتقب .
فقط ظل كل منا ينتظر من سيصل الأول الى بر الوظيفة كي يهندس البداية ، و يبادر الى مرحلة الخطوبة ، هكذا اتفقنا تلك الليلة ، ليلة ما قبل مغادرتي الحي .
أما الآن و أنا حققت الشق الأول و التحقت بسلك التدريس كأستاذ بالمرحلة الإبتدائية ، ها أنا أبادر لكي أجدد العهد الذي بيننا .
هل سأستطيع أن أنقل اليك صديقتي الغالية حالتي النفسية و أنا أخط هاته السطور في زمن البدايات التي انتظرتها طويلا .
كل ما أستطيع الجزم به أن صورتك لا تفارق مخيلتي وسط هذه الوحدة القاتلة . كلماتك التي رسمت لي الأمل لازالت تتردد بأعماقي
و بها أتحدى الآن هذا السكون القاتل في أدغال هذه الأرض القروية المترامية الأطراف . عالم الوحدة الخانقة ، و لا أكاد أسمع فيه سوى
دقات قلبي و أنا أستعيد ذكرياتي بقربك و حديثي الغابر معك . هنا دعيني أعترف أن الليل يحتضن البلدة في سكون يكاد يكون مطلقا
وحدها النجوم التي تطل من النافذة تكسر هذا الظلام ، و يخترق من حين لآخر هذا الصمت الليلي المخيف نباح كلاب أو نقيق ضفادع بالضاية المجاورة .
أشعر رغم هذه القفزة النوعية نحو تحقيق بعضا من الأحلام أن دروب الحياة ليست كما تصورتها ذات يوم و أنا أناقشك .
أشعر أن شيئا ضروريا في حياتي ينقصني كي أكون على السكة الصحيحة .أشعر بعدم الإستقرار . و أن هذا الليل سيأكل كل أحلامي إن لم أسارع في العودة اليك
الى أحضانك الدافئة التي لطالما كانت لي حصن الأمان . فبدأت أفكر مليا في زواجنا المرتقب ، و أعيش على دروبه التي صنعناها يوما معا بأحلامنا التي لا تنتهي .
في العطلة القادمة استعدي فأنا قادم للخطوبة و كتب الكتاب ثم إتمام طقوس زواجنا . حتى تكتمل بذلك فرحة حياتي ...( حبيبك ميمون )
جلس ميمون ينتظر قدره و قدوم الصباح ، و قبل أن يلتحق بالعمل مضى الى صندوق البريد أودعه الراسالة
و عاد و هو يعيش على أمل رد من حبيبته قد يشفي الغليل و يمده بطاقة متجددة للحياة .