لا يعرف عدنان ما الذي أيقظه من سباته العميق في وقت متأخر من تلك الليلة الكئيبة..
فهذا أمر نادر الحدوث معه , فهو بالعادة , ما أن يضع رأسه المثقل بكل ألوان الهموم و المتاعب على وسادته الناعمة حتى يغفو مستسلماً لنوم لذيذ..
نهض من فراشه , نظر بشكل خاطف إلى الساعة المثبتة على جدار غرفته و أتجه نحو النافذة و أخذ يحدق إلى خارجها..
كانت الطبيعة غاضبة في تلك الليلة الخريفية , رياح شديدة جعلت الأشجار تتمايل راقصة على أنغام صوت الرعد و ضوء البرق..
إنها تمطر بخجل , قطرات رقيقة صغيرة من الماء بدأت تفرش الأرض و سطوح المنازل..
ما يزال عدنان يراقب بلذة عابرة تقلّبات الطقس و مزاج الطبيعة..
شعر بشيء من البرد و القشعريرة, تناول معطفه الرمادي من على سريره ووضعه على كتفيه و جلس قرب نافذته..
وقعت عينه على كتاب كان قد أهداه إياه أحد أصدقاءه من هواة الكتب و المطالعة..
تذكر نصائح الأطباء حول الأرق و مشاكله و أن أفضل حل للتغلب عليهما هو القراءة قبل النوم..
قرأ عنوان الكتاب و اسم كاتبه فأدرك أنه كتاب حول تنمية الذات و تطويرها..
عادت الطبيعة إلى هدوئها و سكونها , نظر عدنان إلى الساعة و أغلق الكتاب الذي بين يديه وهمّ صوب فراشه..
استلقى على أحد جوانب سريره و أخذ يستعيد و يستذكر أعماله في اليوم التالي و هو مغمض العينين..
يوم حافل و صاخب جداً ينتظره ..
مواعيد, زيارات, جولات , لقاءات , مهام كثيرة
روتين يومي شاق , يتطلب منصب عدنان الرفيع و مكانته الاجتماعية أن يعيش ضوضاءه و جنونه..
عشرات الأفكار و الخواطر بدأت تخدش رأسه وتأكله , حاول ردّها فلم يفلح..
أضاء المصباح بجانبه , نظر إلى مكتبته الغنية بالكتب حيث اصطفت بشكل أنيق و جذاب على رفوفها..
كم مضى من الزمن و هو غافل عن كتبه و مكتبته؟
متى كانت آخر مرةً تناول كتاباً منها و قرأه أو على الأقل تصفحه و استذكر ما فيه؟
نهض من سريره بسرعة ,مدّ يده نحو احدى الرفوف في المكتبة و اختار كتاباً يتحدث عن علم النفس..
ثم أعاده ليختار كتاباً آخراً ثم آخراً وهكذا أمضى عدنان ما تبقى من ليلته هذه حتى أصبح الصباحً معلناًً يومًاً جديًداً..
لم يذهب عدنان في هذا اليوم إلى عمله,بالرغم مما ينتظره هناك من واجبات و مهام كبيرة..
أخرج ورقة بيضاء من درج مكتبته و سطّر :
السيد ...........
أرجو قبول استقالتي لأسباب خاصة و لكم كل الشكر .