انتهى المطر..
وكذلك فنجان القهوة.
أرغب بشدة في كوب آخر من القهوة علّه يوقظ في جوفي أسرار حياتي و عيوب آهاتي و صرخاتي..
"أحضر لي كوباً جديداً من القهوة" قال حسام لنادل المقهى والذي لم يكن قريباً جداً منه ..
"سيدي إنك تكثر اليوم من شرب القهوة ! لِمَ لا تتناول بعضاً من الشاي الأخضر؟ لدينا أجود أنواعه وبنكهات مفضلّة " قال النادل لحسام والذي ردّ عليه ساخراً بعض الشيء:
"لا أثق كثيراً بالشاي! فألوانه و أنواعه كثيرة و نكهاته عديدة و متعددة"
"أثق بالقهوة,سمراء بلون واحد وبدون إضافات أو نكهات"
"الأشياء السمراء فاتنة دوماً كالقهوة والشوكولاته وتلك المرأة التي أحبّها" قال حسام متنهّداً .
"ما بالك يا سيدي اليوم؟ لست على ما يرام كما أرى!" قال نادل المقهى لحسام و تابع قائلاً:
"أعرفك منذ سنين طويلة,زبون يومي لمقهى صغير قليل الروّاد,تحضر في الصباح الباكر,تجلس على نفس الطاولة في هذا الركن المنعزل,تكتب بضع عبارات على قصاصات ورقية تخرجها من جيبك,تحتسي قهوتك على عجل,نادراً ما تكلم أحد من الموجودين,تغادر المقهى بعد أن تترك على طاولتك ثمن فنجان قهوتك و بقشيشاً مغرياً .!"
قاطعه حسام بالقول:
"لا تكمل! كل ما قلته صحيح!"
سكت حسام لبرهة ثم تابع قوله:
"أنني مدعوٌ إلى حفلِ زفافٍ في مساءَ هذا اليوم"
"إنه حفل زفاف غير عادي بالنسبة لي,هو حفل زفاف الفتاة التي أحبُّ وأعشق!"
"لقد قال القدر كلمته هنا و فرض علينا بقسوة واقعاً مريراً بائساً"
" أجل,هي ستتزوج اليوم ,و لسخرية الأقدار لن أكون أنا من ستتزوجه"
"أنا مدعو للحفل بصفتي صديق فقط"
"هل تتخيل كم هو مؤلم أن يتبدّل دورك من حبيب إلى صديق!!" قال حسام ثم أمال برأسه قليلاً و كأنه يريد أن يضعه على الطاولة أمامه.
"ولكن لماذا ؟ لماذا لم تتزوجا طالما أنكما تحبّان بعضكما البعض؟؟" قال النادل لحسام بشيء من الاستغراب و الدهشة.
"شيئان لا تثق بهما أبداً : الطقس و وعود إمرأة جميلة !" ردّ حسام و هو ينظر إلى ساعة حائط المقهى والتي كانت تشير إلى منتصف النهار.
"وهل سوف تحضر حفل زفافها اليوم؟" قال النادل.
"لا أدري! لم أقرر بعد!"أجاب حسام وأضاف بالقول:
"هناك قرارات في حياتنا نتجنّبها فقط لأننا نريد أن نختار الأسهل والأقل ألماً لنا"
نظر حسام إلى فنجان قهوته الماثل أمامه :
"كم حنونة هي القهوة ؟حين تقدّم لنا روحها في سبيل مزاجنا"
همّ حسام واقفاً,أخرج محفظة نقوده,التقط منها نقوداً ثم دس في يد النادل ما يرضيه و غادر المقهى.
أخذ طريقه في الشارع المكتظ بالناس,توقّف فجأة أمام متجرٍ لبيع الأزهار,اختار أجملها وأغلاها,كتب عبارة (ألف مبروك) على بطاقة صغيرة تم تثبيتها بأناقة وجمال على باقة الأزهار,دفع ثمنها ثم انصرف..
"سيدي,سيدي!" ناداه صاحب متجر الأزهار..
"أعطنا من فضلك العنوان الذي تريد أن نرسل إليه باقة أزهارك هذه"
أخرج حسام من جيبه قصاصة ورق صغيرة,دوّن فيها العنوان المقصود,ثم ناولها للرجل وهو يقول:
"أرسلها بعد ساعتين من الآن".
في مساء ذلك اليوم الماطر,جلس حسام في منزله وحيداً يحتسي فنجان قهوته وهو ينظر إلى تلك الباقة الجميلة من الأزهار أمامه ..
نحن دائماً نحتاج إلى أشياء تجعل الحياة أجمل,شيء يشبه الورد,يشبه القهوة,يشبه الحب,يشبه المطر.