كانت هي البنت الوسطى ولها إخوة وأخوات،وكانت كل
يوم تنظر إلى المرآة وتتأمل وجهها وشعرها،فترى كيف
أن قطار العمر قد مضى،وأن سواد الشعر اختلط ببياضه
وأن حالها كما هو عليه لم يتغير شيء،فتدمع عيناها
رغما عنها،وفي تلك اللحظة يصرخ والدها مناديا لها:
أيتها الحمقاء أين أنت؟
تعالي وأعدي لنا الغداء.
فردت عليه وهي منكسرة :حاضر يا أبي
وعندما دخلت إلى المطبخ ،كان ينهال عليها سبا وشتما
وإذا ما انهت عملها ،وقررت أن تزور أهل خطيبها،كان
يمنعها من الزيارة،ويصر على أن تبقى حبيسة في
المنزل،وإذا ما قرر خطيبها زيارتها مع أهله،كان والدها
يحرجها ويهينها أمامهم،تعبيرا عن هيبته وقدرته على
ابنته،وعندما اقتربت أيام الزواج كان والدها يثقل على
خطيبها بكثرة المطالب ويغالي في المهر،حتى في
النهاية قرر تركها لأنه عجز تماما عن تحمل تصرفات
والدها التي ليس لها اي مبرر،قائلا لها:اعذريني!
لن أستطيع أن أكمل معك،ونزع الخاتم وغادر.
بكت المسكينة كثيرا ولم يشعر بصوت أنينها سوى
خالقها،أفشل والدها لها زواجها،ومن بعد خطيبها ذاك
لم يتقدم إليها أحد.
وصل بوالدها الأمر بأن منعها أيضا من الخروج من
المنزل بتاتا،وإذا ماخرجت مع صديقاتها أو حتى إلى
جاراتها كان يشتعل غضبا،ويقوم بضربها وشتمها،مرت
سنوات وهي بهذه الحال،حتى أصاب والدها شللا كاملا
أرغمه على لزوم فراشه،فأصبحت ابنته هي من تطعمه
وتسقيه،وتلبسه،وتهتم به وكأنه طفلها الصغير،في وقت
أهمله باقي الأبناء ولم يسأل عنه أحد ولم يهتم به
أحد سواها،كان كل يوم ينظر إليها متأملا وجهها
وعيناه تقول:لماذا تهتمين بي بعد كل العذاب والظلم
الذي سببته لك؟!.
حتى هي لا تدري لماذا أصبحت تهتم به؟
بعد أن دمرها كان سببا في تعاستها وضياع مستقبلها.