ناصر جابر العبادي إبن أغنى رجل في المدينة
كان مدمنا على الخمر ، يغيب أياما عن البيت ، متواجدا على الدوام عند الخمارات وبيوت الدعارة .
طرد من المدرسة بعد أن تنقل في عدة مدارس في المدينة ، ، وذلك لغيابه المتكرر عن فصول الدراسة وفي الأوقات القليلة التي يحضر فيها يكون في حال سكر. كان ذلك قبل أن يمتحن الشهادة الثانوية. حيث أضطر والده أن يعين له معلمين خاصين يدرسونه في المنزل.
في سنته الأولى في الجامعة وقبل نهايتها أصيب بلوثة عقلية ، مما جعل والده يصطحبه للعاصمة حيث قام بعلاجه لعدة اشهر ، ثم عاد به للمدينة ، وما لبث قليلا حتى عاد ليرتاد أماكنه المفضلة حيث الخمور والبغاء . أنقطع عن البيت أسبوعا جاب خلالها والده كل الأماكن المشبوهة حتى عثر عليه في حي بأطراف المدينة في حجرة ضيقة مظلمة نتنة ، ثملا يحك جلده بوحشيه.
عاد به للبيت، ولكن زوجته رفضت وجوده ، حيث خافت على أبنائها من أن تصيبهم عدوى منه.
جلس جابر العبادي في حديقة منزله ذات صباح مهموما مستندا بذقنه على كفيه ممسكا بعصاه يفكر في أمر وهو ينظر لعم حماد الجنايني.
بعد أسابيعقليلة وفي المساء
كان ناصر بصحبة والده في بيت عم حماد – وزوجة حماد وأبنته منهمكتان في اعداد واجب الضيافة ، بينما كان حماد يطلع ناصر على غرفته التي تم بنائها وتجهيزها بسرعة في ركن في بيت حماد.
خرج جابر بعد أعطى حماد بضعة أوراق وبعد أن دس مبلغا من المال في جيب حماد .
********
جلس حماد صامتا مع زوجته مطرقا رأسه إلى الأرض ، بينما كانت ياسمين تطبخ شيئا وسمعت أمها تقول لأبيها:
-هل أستلمت عقد البيع.
أومأ برأسه مجيبا
-وقسيمة الزواج
رفع رأسه وعيناه مغروقتين بالدموع مجيبا بنعم.
هنا خرجت ياسمين تحمل آنية ومرت بجوارهما وذهبت لغرفة زوجها.
وقفت عن باب الغرفة ونظرت ذات الأربع عشرة ربيعا في وجه زوجها لأول مرة ، رأت شابا شاحبا كامل وجهه وجسده مليء بالبثور المتهرئة ، يجلس حانقا وعينيه محمرتان وشعره في فوضى عارمة.
وما أن رأها حتى قال منزعجا :
-من أنت
-ياسمين
-أنت طفلة!
همت ياسمين بالدخول ووضع أنية الطعام بجواره ولكنه صرخ فيها :
-توقفي عندك.
-أريد أن أضع لك الطعام.
-توقفي وضعيه عندك لا تدخلي.
-و لكن.
-أسمعيني جيدا .. الا تريني .. ألا ترى ما بي ،، هذه ليست مزحة هذا مرض معدي ... سينالك مني مثله.
-ولكن أنا زوجتك.
-هذا الزواج ليس برضاك ولا برضاي .. هذا أمر استحدثه والدي ووالدك .. صفقة بين تاجر ومضطر. أنت طفلة صغيرة وأنا مرض جسيم.
-أنت زوجي وأنا رضيت بهذا الزواج. وسوف أقوم بواجباتي.
-أيتها الطفلة البائسة أنت لا تعرفي شيئا .. أنا أجرب ونصف مجنون.
-أنت زوجي على كل حال.
-أنت طفلة حمقاء هي أغربي عن وجهي الساعة.
***
ياسمين طفلة حقا ولكنها حازمة وعنيدة وبفضل الله وبمعرفة ياسمين عن الأعشاب التي كانت تزرعها بمساعدة والدها ، أستطاعت أن تعالج جلد زوجها ، وبفضل الحليب الذي كانت تحلبه من شاتهم والبيض الذي يضعه دجاجها والذي تصنع من فراخها مرق ، سرى الغذاء في جسد ناصر المنهك. الذي كان يصرخ فيها أحيانا واحيانا يستسلم مبتسما لعنادها فبعد عام كامل تبدل حاله وعادت له صحته ووسامته.
رجع ناصر لبيته ، استقبله والده بالاحضان ، ولم تجد زوجة ابيه عذرا لإبعاده عن البيت.
عاش ناصر سعيدا في بيت والده الذي احتفل به احتفالا كبيرا ضم أصدقائه ومعارفه ، وفي هذا الحفل تعرف ناصر على ابنة أحدى أصدقاء والده من اثرياء المدينة أيضا . أوكل جابر إدارة أحد مصانعه لناصر وبعد عدة اشهر تم زواج ناصر من أبنه صديقه باحتفال كبير.
قبل الزواج بعدة أيام حضر ناصر لبيت حماد ، وجلس في غرفته مع ياسمين سأل عن حالها وأخبرها بزواجه المعتزم ، وأهداها أساور وحلى ذهبية قيمة جدا ، وشكرها وأنصرف.
***
عاش ناصر سعيدا مع زوجته وفي بيت والده ، الذي اهداه سيارة فخمة في يوم زواجه. كان يختلف بها إلى عمله.
***
افرغت ياسمين غرفة زوجها ، وحولته لحانوت عطاره ومعمل أجرت واعدت فيه خلطات وأدوية شعبية وزيوت ومساحيق تجميل ، استخدمت فيها الأموال التي حصلت عليها من بيع الحلى التي اهداها لها ناصر.
بينما كان ناصر يعاني في عمله ، حيث أن موظفي وعمال المصنع تضرروا من قرارته ووصفوها لوالده بأنها ناتجة عن عدم خبرة ووعي هذه غير سحوباته المالية الكثيرة التي كان يستخدمها إرضاء لطلبات زوجته. أضطر والده أن يعين مديرا أخر ويجعله نائبا للمدير ، ومالبث ناصر أن أصبح مهمشا في المصنع وبدأ يتغيب عن العمل حتى ترك المصنع. وكثرت مشاكله مع زوجته التي كانت لا تتوقف عن طلباتها الباهظة.
***
مرت سنين قليلة ، بعد ذلك توفى فيها جابر العبادي . واستطاعت أرملته أن تحرم ناصر من الميراث ، وأن تكونه وصية على أموال زوجها مستخدمة في ذلك شهادات طبية تبرهن مرض ناصر العقلي ، وسجلات شرطة تؤكد سلوكه السيئ ووصية مشكوك فيها من والده بحرمان أبنه ناصر من الميران وبجعل زوجته وصي على أملاكه.
تأزمت حاله وتخلت عن زوجته بعد أن عاد لحياة السكر واختلافه المتكرر للمواخير.
***
وصلت أخبار ناصر إلى ياسمين ، وعرفت بأن زوجة ابيه قد طردته من البيت ، وباعت البيت وهاجرت هي وأبنائها خارج البلاد . ثم علمت بإنفصاله عن زوجته التي خلعته . وعرفت بأنه عاد لحياة السكر وبيوت الدعارة التي أنفق فيها سيارته التي اهداها له والده ، وعندما أفلس تماما تم طرده من المواخير..
كانت ياسمين تتقصى اخباره وتسأل عنه ، حتى علمت بكل حاله ، ثم ذهبت تبحث عنه في كل الأماكن التي كان يرتادها ويدلها عليها الناس .. حتى وجدته ملقى أمام النهر ثملا والجروح تغطي جسده .
حملته إلى بيتها ..وعندما رأتها أمها وناصر شبه غائب عن الوعي متأبط ذراعها قالت لها :
-ما زلت على عنادك. ألم أقل لك أنسى هذا الأمر أين عثرتي عليه؟
-أنه زوجي على كل حال.
ادخلته غرفة أخرى كانت قد بنتها في مكان اخر في الدار ، وأهتمت به عدة أيام.
أفاق ناصر ووجد نفسه في بيت ياسمين والضمادات واللفائق تحيط بجسده وذراعيه ، ثم نظر بجانبه ووجد بيضا وحليبا على الطاولة وكانت ياسمين تجلس أمامه تنظر له بعطف جاد.
قال مبتسما :
-يالك من طفلة عنيدة.
-ويالك من أجرب مجنون.
نظر في عينيها ونظرت في عينيه وضحك كلاهما بصوت عال.