كان عماد طفل نبيه وقوى البنية وجميل الملامح والقسمات - وكان يعشق مشاهدة السينما فقد كانت المتنزه الوحيد فى عصر لم يكن متواجد فيه أى وسيلة للترفيه حتى جهاز التليفزيون لم يمتلكوا جهازا"
لذلك كان الترفيه عند يتمثل فى السينما ليلا" ولعب الكرة مع الأطفال نهارا" طبعا" يتم ذلك فى الأجازة الدراسية فى الصيف
- فى أيام الدراسة يذهب للسينما مرة واحدة فى الأسبوع يوم الخميس أما فى الأجازة الدراسية فهو يريد الذهاب إلى السينما كل يوم
– ولكن كيف السبيل ونذكرة السينما ثمنها ثلاثة قروش –
إذا" لا بد له من العمل للحصول على الثلاثة قروش للذهاب للسينما التى كان يحبها بجنون بل ويغبط العاملين بها الذين يبيعون المثلجات والأطعمة داخل السينما لأنهم يتفرجون على الأفلام كلها دون مقابل
وكان يصنفهم من السعداء المحظوظين ---
كان سوق الجملة الذى يبيع الخضراوات والفاكهة ليس ببعيد عنهم فكان يذهب إلى السوق للعمل
-يشترك فى إنزال عربة بطيخ قادمة للسوق أو تحميل أخرى ذاهبة للبيع أو للتوزيع ويتحصل على قرش من هنا وقرش من هناك حتى إذا ما أصبح يمتلك ثلاثة قروش خرج من السوق
ويا حبذا لو تحصل على أكثر فى هذه الحالة ستكون المتعة أكثر سيملأ جيوبة بلب دوار الشمس وربما إشترى زجاجة مياه غازية كل هذا وهو جالس ليشاهد الفيلم الذى شاهده ربما أكثر من مرة –
فى أحد الأيام تأخر عماد فى النوم والإستيقاظ المبكر لذلك ذهب للسوق متأخر وكانت كافة العمليات قد تمت من تنزيل وتحميل البطيخ
- أمام السوق نادى عليه رجل يجر عربة كارو محملة بالبطيخ - ( والعربة الكارو عبارة عن عربة مصنوعة من الخشب يحمل عليها الخضار والفاكهة ويجرها إما حصان أو حمار )
لكن هذا الرجل لم يكن لديه حمار وكان هو من يجر العربة الكارو بدلا" من الحمار وكان رجل نحيل بالى الثياب ثيابه رثة ومرقعة وحافى القدمين --
نادى على عماد وقال له إدفع العربة من الخلف وسأعطيك قرش
- جر الرجل العربة وعماد يدفع من الخلف وإنطلقت الكارو تجرى فى الشارع
- كان عماد يتعجب من قدرة هذا الرجل الذى يبدوا نحيلا" وضعيفا" فى جر هذه العربة التى لا يستطيع جرها إلا حمار شديد
- فدفع عماد للعربة لا يكاد يمثل فيها شيئ خاصة أن العربة محملة بالكثير من البطيخ - إستمر الدفع لمسافة كيلومتران --
ثم توقف الرجل وكان يدعى عم سلامة توقف فى مكان يشبه السوق الصغير – ثم أخذ يجفف فى عرقه بطرف ثوبه وأعطى لعماد القرش المتفق عليه
قال عماد لعم سلامه هل أبيع معك البطيخ وتعطينى قرشا" أخر
-قال سلامة إذا لم تستطع أن تبيع نصف العربة فلن أعطيك شيئ
-- قال عماد لسائق الكارو بكم تبيع البطيخة الواحدة - قال سلامة - أبيعها بثلاثة قروش ولو السوق نائم نبيع بقرشين --
ثم قال سلامة لعماد إنتظر بجوار العربة حتى أذهب لدورة المياه ثم أذهب للمقهى حتى أشرب كوب شاى ثم نبدأ البيع وإنصرف سلامة تاركا" عماد بجوار عربة البطيخ
بدأعماد ينادى على الناس بأعلى صوته البطيخ الجيزاوى أحلى بطيخ أحمر وحلاوة يا بطيخ - على السكين يا بطيخ هيا اشتروا قبل أن يأتى صاحبه الكئيب المريض البطيخة بستة قروش
نظر الناس إلى عربة البطيخ فوجدوا البائع طفل صغير ومهندم الثياب ونظيف ولا يبدوا عليه الدراية بالبيع والشراء فوجدوها فرصة لإبتزاز هذا الصغير
بكم البطيخة يا ولد فقال عماد بعناها بستة قروش -فرصة للمسكين أكل أولادك وطيورك البطيخ أحمر وحلاوة وجاء للتو من محافظة الجيزة - البطيخ الجيزاوى
-- قالوا ستة قروش كثير سنشترى الواحدة بأربعة قروش - قال الطفل عماد أربعة قروش إذا" سنبيع بالخسارة صاحب البطيخ الكئيب مديون موافق بعناها بأربعة قروش
- هجم الناس على عماد يشترون منه البطيخ من يأخذ إثنين ومنهم من يأخذ أربعة --
وخلال فرة بسيطة كان عماد قد باع جميع البطيخ الموجود على العربة
--- جاء عم سلامة بعد أن جفف عرقة وإرتاح فى دورة المياه وشرب كوبا" من الشاى فوجد عربة البطيخ فارغة وعماد جالس فوقها فلطم وجهه وأخذ يصرخ بصوت عالى
- أين البطيخ يا ولد - يا خراب بيتك يا سلامة - فقال له عماد - إهدأ يا عم سلامة لقد بعت البطيخ كله - بعت البطيخة الواحدة بأربعة قروش ثم ناول سلامة المبلغ ثمن البطيخ المباع
هنا لمعت عيون سلامة وهرش فى قفاه وفتح فاه غير مصدق أن هذا الطفل قد باع كل البطيخ بهذا المبلغ
- وبعد أن قام بعد النقود وتأكد من تمامها أعطى عماد خمسة قروش مكافأة ثم قال لعماد أنتظرك غدا" وإنطلق عماد فرحا"معه الأن ستة قروش سيذهب إلى السينما ويشترى ما يريد
ولم يفكر فى أنه قد أربح الرجل أكثر من مائة قرش زيادة عن مكسبه الحقيقى - فقد قال عماد هذا رزقه ورزقى الخمس قروش
فى اليوم التالى ذهب عماد إلى السوق ودفع العربة خلف سلامة وكان كلما نظر لسلامة رق قلبه لشقاء هذا الرجل الذى يعمل عمل الحمير وكان كلما نظر إلى قدم الرجل الحافى التى تتساوى بالأرض تأثر قلبه
وباع عماد البطيخ كما باعه فى اليوم السابق وإزداد خبرة وحنكة فى عملية البيع والتسويق
- وتكرر هذا الوضع عدة أيام
- وفى يوم كان سلامة متعب فذهب معه عماد لتوصيله لبيته
- وكان البيت فى حى فقير بيوته من الخارج تفشى سره من الداخل من حالة شدة الفقر المدقح
- وعلى باب البيت كانت تقف طفله فى عمر عماد تقريبا" أو أصغر قليلا"
ملابسها رثة وغبار الطقس يكسوا وجهها وذات شعر غجرى مجنون منكوش
- تأمل عماد وجه الطفله فإذا هى مليحة الوجه والقسمات وذات عيون زرقاء صافية
- الطفلة تخطف القلوب والألباب رغم أثار قسوة الطبيعة فوجد عماد قلبه تتسارع نبضاته
- فقالت الفتاة أهلا" يا أبى - هل هذا الولد هو ... فقال سلامة نعم هو --
وودع سلامة عماد عند الباب دون أن يدعوه للدخول ولكن عماد نظر إلى عيون سلامة فإذا هى عيون زرقاء أول مرة يكتشف عماد أن سلامه عيونه زرقاء
ذهب عماد فى اليوم التالى إلى السوق فلم يجد سلامة وفى اليوم الثالث الذى لم يحضر سلامة للسوق
- قرر عماد أن يذهب إليه فى البيت عسى أن يكون مريض
- ودق الباب فإذا بالطفلة المليحة تفتح ووجها كالبدر فى تمامه وشعرها ممشط أضاف عليها حسن وجمال فرفرف قلب عماد وكاد أن يطير من صدره
ثم سمع صوت سلامه من الداخل يقول لإبنته من الطارق يا بنتى
-- فردت عليه الجميلة إنه الولد الجحش يا أبى
--تسمر عماد فى مكانه ما هذا هل توصفونى بالجحش - ولما لا فأنا أدفع العربة الكارو خلف الحمار إذا" أكون جحشا"
كان عماد قد اشترى قطعة حلوى ليعطيها للجميلة عندما يراها
- لكنه عندما سمع ما سمع إنطلق يجرى عائدا" وألقى قطعة الحلوى فى الهواء وصاح
لن أكون جحشا" بعد اليوم لن أعمل عمل الحمير ------