لطالما سمعت إسمها يتردد بين أطفال البناية اللتي أسكنها , وكان إسمها الجميل يقترن دوما بالجمال والشقاوة معا , ولكن لم يحدث أن إلتقيت بها , ربما لان مواعيد عملي تحتّم علي الخروج في وقت مبكّر والعودة في المساء , وربّما لانها تقيم في بناية مجاورة لبنايتنا , فكانت فرص لقائي بها معدومة
إلى أن كان يوما كنت عائدة من عملي في وقت مبكر , بسبب بعض التعب اللذي إعتراني فجأة , وعند وصولي إلى مدخل بنايتنا , شاهدت طفلة يشع وجهها جمالا وبهاء , قلت في نفسي :
ما شاء الله تبارك أحسن الخالقين
ولكن ربّما ما إستوقفني أكثر دمعة حزينة إستقرت على تلك الوجنة المتورّدة
نسيت ما ألمّ بي من تعب , وتقدّمت نحوها , سألتها :
ما بك صغيرتي ؟
رفعت حاجبيها بدهشة وأجابت :
لا شأن لك
بالرغم من سخافة الموقف والحرج اللذي إستشعرته بسبب ردّها , إلا أنني أوشكت أن أنفجر ضاحكة !!! ولا أدري لماذا !!!
قلت بلطف : حسنا صغيرتي , ولكنّي لا أحب أن أرى هذا الوجه الجميل تشوّهه الدموع
يبدو أن مدحي لجمالها قد لامس شغاف قلبها الصغير
إنفرجت أساريرها ومسحت دمعتها بسرعة وقالت :
أنا لا أعرفك , فهل أنت تعرفينني ؟
هززت رأسي نفيا وقلت :
أتمنى لو أعرف إسمك
قالت :
إسمي جاردينيا
تذكرت على الفور , إنه الاسم اللذي إقترن دوما بالجمال والشقاوة
يا للاطفال !!!
قلت لها :
ألن تخبريني صغيرتي بما يزعجك ويغيّب الابتسامة عن وجهك الجميل ؟
قالت :
أنه الولد الشقي اللذي يقطن في الدور الثاني
يا إلهي إنه إبن شقيقي
وتابعت تقول بإنفعال واضح :
بعد أن جمعت باقة كبيرة من الزهور , خطفها وألقى بها تحت السيّارات ثم صعد إلى منزله وهو يضحك
سألتها :
ولمن جمعت تلك الباقة ؟
قالت : لامّي , وكنت أوذّ أن أقدمّها لها في المساء عند عودتها , فهي تحبّ زهرة الجاردينيا
إعتصر الالم قلبي وتذكرت ما سمعته من نساء الحي حول تلك الام المستهترة !!!
داعبت خدّها بلطف ووعدتها بباقة كبيرة من الجاردينيا , أحضرها معي غدا عند عودتي
قالت بفرح غامر :
سأنتظرك هنا
******************
في اليوم التالي مررت في طريق عودتي على محل لبيع الزهور , وإبتعت باقة رائعة من زهور الجاردينيا , كنت أحث السير لاصل في الموعد المحدد .
اه ها قد وصلت أخيرا , ولكن أين هي ؟
وما هذا التجمهر أمام بناية الصغيرة جاردينيا !!!
هرعت ‘لى هناك وقلبي يحدّثني بأنّ أمرا خطيرا قد حدث
أأأأأأأه ... يا لهول المنظر !!!
كانت الصغيرة ملقاة على أرض الحديقة وقد تطايرت وتبعثرت باقة من زهور الجاردينيا لترسم لوحة حزينة تمنيت لو لم تقع عيناي عليها
الصغيرة جاردينيا صعقت بتيار كهربائي أثناء تسلقها للسور الصغير محاولة أن تجمع الزهور , وقضت على الفور
إنبعثت من أعماقي صرخة مكتومة , ودون أن أشعر نثرت الباقة اللتي كانت في يدي لتعانق أخواتها وتضع اللمسة الاخيرة على اللوحة الحزينة