سنوات العمر لم تزحزح الاسم الرباعي للمعلم من ذاكرة تلميده، وهو يسأل عنه لعله يلتقيه، فكان اثر معلمه الجليل في نفسه اكبر من ان ينسى وكان وفاء الطالب النبيل اعظم من ان يمل بالبحث عنه.
وتعود تفاصيل القصة قبل 60 عاماً وبالتحديد سنة 1384 هجريا الموافق 1964، حين ذهب المعلم الأردني شبيب حسن محمود جودة لتدرس اللغة العربية بالسعودية في قرية من مناطق وادي قديد والتي تبعد 150 كيلو شمال مكة المكرمة.
ولمح المعلم في احد طلابه الصغار تميزه، ودرسه 3 سنوات، في واهداه بعض كتب الادب وزرع في نفسه حب لغة القرآن حتى تخرج من الجامعة متخصصا باللغة العربية، ومعلم لها في مدارس السعودية.
واصبح الطالب عبدالرحمن بن عبدالله السيد سلسل الدوحة النبوية الشريفة واحد من رموز التربية والتعليم في مكة المكرمة ومدير مدرسة ابن الجزري لتحفيظ القرآن الكريم بجدة.
وبقي السيد يبحث عن معلمه، الذي كان له الاثر الكبير في حياته، وبدأ يسأل عنه كلما شاهد احد من الاردن، الا ان الاجابة كانت دائما لا، وفي ليلة من ليالي العشر الاواخر من رمضان الماضي التقى التلميد في الحرم المكي بأردني جاء الى مكة لتأدية مناسك العمرة، فسأله عن معلمه فلم يختلف جواب المعتمر عن غيره، ولكنه هذه المرة وعد بان يجتهد بالبحث عنه وبعد ثلاثة اشهر من ذلك اللقاء، رن هاتف السيد وكان على الطرف الاخر الاردني الذي التقاه بمكة، ليزف له البشرى بقوله: "استاذك لا يزال حيا يزرق وفي تمام الصحة والعافية وهو يبحر في عقده التاسع".
لم يتمالك التلميذ المخلص لمعلمه نفسه من شدة الفرح وبدأت الدموع تتساقط من عينيه، ولم تمض سوى ايام حتى سافر الى الاردن للقاء استاذه.
ذهب السيد الى منزل استاذه جودة، والفرح يملأ روحه، وقابل استاذه وعندما شاهده احتضه بحب وقبل رأسه باجلال وكانت الدموع سيدة الموقف، وتجاذب الاستاذ وتلميذه الذكريات التي لا تزال تنبض بالحياة في ذاكرتهما، وزاره عدة ايام متتالية في منزله.
وحين عزم على العوده بدأ التمليد ينظر الى وجه استاذه بحب وشغف، خشية ان لا يلقاه مرة اخرى ثم مضى، وكأنه ينشد وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب.