من مقاصد الحج
قال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-:
المقصد الأول:
تحقيق التوحيد
مِن مَقاصد الحَج العَظيمة وهُو أعظمها وأجَلّها:
تَحقيق التَّوحيد للَّه -تَبارك وتعالى- والبَراءة مِن ضِدّه وهو الشِّرك باللَّه والخُلوص مِنه.
فهَذا أجلّ مَقصدٍ وأعْظَم هَدفٍ، لأنَّ التَّوحِيد هُو الأسَاس الذِي خَلقَنا اللَّه -عزَّوجلّ- لأجْله، وأوْجَدنا -سُبحانه وتعالى- لِتَحقيقه.
ومِن خِلال مَناسك الحَج العَظيمة وشَعائِره الجليلة ومَشاعِره المُباركة، تَظهر جَليًّا مَكانة التَّوحيد العُظْمى ومَنزِلته العُليا، وأنَّه أسَاس يُبنى عَليْه دين اللَّه-عزَّ وجلّ- وتُقام عَليه كُل طَاعةٍ يَتقرب بِها المُؤمن إلَى اللَّه -سبحانه وتعالى-.
بَل إنَّ كُلّ طَاعةٍ وعِبادةٍ لاَ تكُون قَائمة عَلى تَوحيد اللَّه، والبراءة مِن الشِّرك، فإنَّ اللَّه -سُبحانه وتَعالى- لاَ يَقبلها مِن العَامل.
ولِهذا قَال جَابر -رضي اللَّه عنه- کَما فِي (صحيح مسلم) فِي سِياقه لحجَّة النَّبيّ -ﷺ-: فَأهلَّ النَّبي -ﷺ- بِالتَّوحيد: «لَبَّيْك اللَّهُم لَبَّيْك، لَبَّيك لاَ شَرِيك لَكَ لَبَّيك، إنَّ الحَمْدَ والنِّعمة لَك والمُلك لاَ شَريك لَك»، وهَذه الكَلِمات العَظِيمات، كلِمات تَوحيد وإخلاص لله -جل وعلا- وبَراءة مِن الشِّرك.
فبَينما كَان المُشركون يُهلون بِالشِّرك والتَّنديد، جاء الإسلام بهذا الإهلال العظيم، القائم على الإخلاص والتوحيد.
فَفي: (صحيح مسلم) عَن ابنِ عَباس -رضي اللّه عنهما- قال: «كَان المُشركون يَقولون لَبَّيك لاَ شَريك لَك، قَال: فيَقول رسُول اللَّه -ﷺ-: «وَيْلَكم قَدْ، قَدْ» فيَقولونَ: إلَّا شَرِيكًا هو لَكَ، تَمْلِكُهُ وَما مَلَكَ. يقولونَ هذا وَهُمْ يَطُوفُونَ بالبَيْتِ!».
وفِي قَوله: «لاَ شَريك لك»، وقَد تكَرَّرت فِي التَّلبية مَرتين، مَرّة عَقب إجَابته بقوله: «لبَّيك»، ومَرّة عَقب قَوله: «إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لَكَ والمُلك».
فالأَوّل: يَتضمَّن أنَّه لاَ شَريك لَه فِي إجَابة هذِه الدَّعوة.
والثَاني: يَتضمن أنَّه لاَ شَريك لَه فِي الحَمد والنّعْمة والمُلك.
وهُو إخْلاصٌ للّه فِي نَوْعَي التَّوحيد العِلمي والعَملي.
العَملي فِي قَوله: «لَبَّيك اللَّهُم لَبَّيك».
والعِلمي فِي قَوله: «إنَّ الحَمد والنِّعمَة لَك والمُلك، لاَ شَريكَ لَك».