أيام عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها
مقدمة عن فضل أيام عشر ذي الحجة والأعمال الواردة فيها : قال الله تعالى { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } (الفرقان : 62 ). أي : جعل الليل والنهار يخلف بعضهما بعضا ، يتواليان ويتكرران ، لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ، فيذكر ربه ويشكره كلما تكررت الأوقات ، وتوالى الليل والنهار ، فإن الطاعات بمنزلة السقي لغراس الإيمان ، فلولا السقي والتعاهد ليبس ذلك الغراس ، فلله الحمد أتم الحمد.
ومن فضله تعالى أن جعل في الأيام والشهور مواسم ووظائف على عباده ، كالصلاة والزكاة والصيام ، منها ما هو مفترض كالصلوات الخمس ، ومنها ماهو مستحب ونافلة كنوافل الصلاة والذكر والصدقات والصيام وغير ذلك . فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات ، وتقرب فيها إلى مولاه ، بما يحبه ويرضاه ، ويتعرض لنفحات الله . ومن تلك المواسم الجليلة : العشر من ذي الحجة ، وفيه وظائف عظيمة ، وفضائل مباركة ، لا ينبغي للمسلم الفطن أن يغفل عنها . وسنتكلم أولا عن فضل عشر ذي الحجة ، ثم عن الأعمال المستحبة فيها .
فضل أيام عشر ذي الحجة
قال الله تعالى { وليال عشر } الفجر : 2 . جمهور أهل العلم من المفسرين من السلف وغيرهم على أن المراد بها : عشر ذي الحجة ، وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما . والرواية عنه أنه : عشر رمضان لا تصح . وقال الله تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } (الحج : 28) . ففي هذه الأيام يحصل للمسلمين منافع عظيمة في دينهم ودنياهم ، من الطاعات الفاضلة ، والعبادات العظيمة ، من ذكر الله تعالى ، وحج بيته العتيق ، والطواف به والسعي ، ورمي الجمرات والذكر عندها ، وذبح الهدايا والأضاحي مما رزقهم الله عزوجل ، وإطعام الفقير والمسكين منها ، وغيرها من أنواع القربات . والأيام العشر ، آخر أشهر الحج التي هي : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، قال تعالى { الحج أشهر معلومات } (البقرة:197).
أحاديث أيام عشر ذي الحجة
روى الإمام البخاري : عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي ﷺ قال : ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر , قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ” ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ” . فدل هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام ، أحب إلى الله تعالى من العمل في أيام الدنيا كلها ، من غير استثناء ، وإذا كان العمل أحب إلى الله تعالى فهو أفضل من غيره ، وقد ورد كذلك في بعض ألفاظ الحديث . حتى إنها أفضل من كل أنواع الجهاد ، إلا نوعا واحدا ، ذكره النبي ﷺ وهو : ألا يرجع بنفسه ولا ماله .قال الإمام ابن رجب رحمه الله : وهذا يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل ، يلتحق بالعمل الفاضل في غيره ، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره . ” لطائف المعارف ” ( ص 459 ).
وروى الإمام أحمد : عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي ﷺ قال : ” ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” .
وروى ابن حبان : عن النبي ﷺ قال : ” أفضل الأيام يوم عرفة ” .
وقد ورد في قدر المضاعفة أحاديث وروايات لا تصح .
أنواع العمل في أيام عشر ذي الحجة
هذه جملة من الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة :
أداء الحج والعمرة
وهو أفضل ما يعمل في هذه الأيام المباركة ، ويدل على فضله عدة أحاديث : منها قال رسول الله ﷺ ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ” . خصوصا إذا كان فريضة ، فإن الفرائض من أحب ما يتقرب به العبد إلى ربه .
صيام هذه الأيام وبالأخص يوم عرفة
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ ” صيام يوم عرفة احتسب على الله ، أن يكفر السنة التي قبله ، والتي بعده ” . رواه مسلم ( 1162 ) . وعن بعض أزواج النبي ﷺ : كان النبي ﷺ يصوم تسع ذي الحجة … ” أخرجه أبوداود ( 2437 ) وصححه الألباني .
الدعاء في يوم عرفة
الدعاء في يوم عرفة عظيم ، يرجى قبوله واستجابته ، فقد روى مالك والأصبهاني في الترغيب : عن النبي ﷺ : ” خير الدعاء يوم عرفة ” . وفي لفظ ” أفضل الدعاء يوم عرفة ” صححه الألباني في السلسلة ( 1503) .
التهليل يوم عرفة
فعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : ” أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ” رواه الترمذي وغيره .
كثرة العتقاء من النار يوم عرفة
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال النبي ﷺ : ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار ، من يوم عرفة ..” رواه مسلم ( 1348 ).
مباهاة الله سبحانه بأهل عرفة ملائكته الكرام
ففي تتمة حديث عائشة السابق : ” .. وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ” . وقال النبي ﷺ : ” إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ” رواه أحمد وغيره . وذلك لعبادتهم واجتهادهم حتى تغبر شعورهم وأبدانهم ، وتصيبهم الشمس والحر ، ويلحقهم التعب والنصب.
التكبير والذكر في أيام عشر ذي الحجة
روى إسحاق بن راهويه رحمه الله : عن فقهاء التابعين – سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي ليلى رحمة الله عليهم – أنهم كانوا يقولون في أيام العشر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . وذكر البخاري ( 2/457 ) تعليقا : وكان ابن عمر وأبوهريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . فيشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الأوقات ، من ليل أو نهار إلى آخر العيد . أما التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المكتوبة ، فيبدأ من فجر يوم عرفة ، حتى آخر أيام التشريق ، وقد ورد ذلك عن الصحابة عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم . كما في فتح الباري ( 462/2 ) .
التوبة في أيام عشر ذي الحجة
تتأكد التوبة والاستغفار ، والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب ، في هذه الأيام الصالحة ، حتى يترتب على الأعمال الصالحة السابقة المغفرة التامة ، والرحمة الكاملة .
الإكثار من الأعمال الصالحة عموما
فيشرع الإكثار من الأعمال الصالحة كلها ، من نوافل العبادات ، كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنها من الأعمال التي تعظم أجورها في هذه الأيام .
الأضاحي والهدي
تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق ، وهو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، وضحى رسولنا ﷺ والخلفاء الراشدون والصحابة الكرام ، ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان . وعن أنس رضي الله عنه قال:« ضحَّى النبي ﷺ بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما » رواه البخاري .
وقد قال الله تعالى آمرا رسوله ﷺ بها ، والخطاب نافذ لأمته ( فصل لربك وانحر ) (الكوثر : 2 ). فخص هاتين العبادتين بالذكر ، لأنهما أفضل العبادات ، وأجل القربات ، ففي الصلاة الخضوع لله والخشوع ، وفي النحر تقرب لله تعالى بالمال ، الذي جبلت النفوس على محبته والشح به . والصحيح من أقوال أهل العلم : وجوب الأضحية على القادر ، لقول الرسول ﷺ : ” من وجد سعة ولم يضح ، فلا يقربن مصلانا ” رواه أحمد وابن ماجة . ويجب عليه أن يمسك عن قص الشعر والظفر فقط : لما روى مسلم رحمه الله وغيره : عن أم سلمة رضي الله عنها : عن النبي ﷺ قال” رأيتم هلال ذو الحجة وأراد أحدكم أن يضحي ، فليمسك عن شعره وأظافره ” .
صلاة العيد
على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيثُ تُصلى ، وحضور الخطبة والاستفادة , وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد , وأنه يوم شكر وعمل بر فلا يجعله أشر وبطر ، ولا يجعله موسم معصية وتوسيع في المحرمات ، كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها , مما قد يكون سببا لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.