نعرض عليكم باختصار شديد خمس نتائج من آثار تفكك الأسرة:
1- اليأس في التنامي وفقدان الهوية والشخصية
لا نرى مدرسة كالإسلام تولي اهتماماً بالغاً بالصحة، والسلامة الجسدية، والنفسية للفرد والمجتمع، ومنح الشخصية القويمة للإنسان. والإسلام في قوانينه استخدم كافةَ السبل لنفث الروح والأمل في المجتمع، والأسرة في المنظار الإسلامي هي مركز المحبة والعواطف، لكن الرجل والمرأة، والأولاد الذين انهارت حياتُهم، وتفككت أُسرهُم بمثابة الغصن أو الشجرة التي اقتُلِعت من جذورها سرعان ما يفقدون هويَّتَهم ويخسرون أنفسهم. إن فقدانَ الشخصية هي البذرة الرئيسة لكل الانحرافات، ولا تسعى أي أسرة مفككة للبحث عن هويتها المفقودة، ولا تسأل عن نفسها بأنه من أنا؟ وكيف وبأي عقيدة لا بد أن أعيش؟، وبالمقابل ما هي برامجي للطرف الآخر (الجنس المخالف)؟، فيواجه أفراد هذه الأسرة المهُدّمة هذه الأسئلة باليأس، وعدم الاكتراث بهذه الأسئلة يفقد الإنسان هويتَه والالتزام بتعهداته. فهؤلاء لا يأملون إيجادَ هويتهم بل وعلى المجتمع أن يقطع الارتباط معهم. يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «من هانت عليه نفسه فلا ترجُ خيره»[18] فالأسرة السليمة تمنح الإنسانَ هويَّته، وهي ينبوع الأمل ومصدر التطلع للمستقبل.
2- تزايد المشاكل والأمراض النفسية
في الحقيقة يواجه الآباء والأولاد المنفصلون عن بعضهم البعض مشاكلَ نفسية عصيبة، والنمو في الأسرة غير السليمة يجذّر في أعماقنا الإحساس بثلاثة أمور: الخوف، الخجل، وعدم الأمان. وهذه الأمور سترافقنا حتى عند الفصل عن الأسرة الأولى والانضمام إلى الأسرة الجديدة (الزواج)، وقد تهيئ هذه الأحاسيس الأرضيةَ الصلبة لظهور ألوان من المشاكل، والاضطرابات النفسية والمعنوية.
وقد أدت التحقيقات إلى النتيجة التالية: أن الرجال الذين طلقوا زوجاتِهم مهدَّدون -عشرة أضعاف أكثر من غيرهم- بالابتلاء بالأمراض النفسية.
إن علماءَ النفس أثبتوا أن البحث عن جذور الأمراض النفسية والاضطرابات في السلوك عند الفرد لا بد أن يتم في مراحل الطفولة، وفي أجواء الأسرة والبيئة الاجتماعية؛ لأن الإنسان عادة يواجه التناقضات في هذه المراحل، وهو عاجز عن تشخيص الإيجابيات والسلبيات في المجتمع والصحيح من السقيم فيه، لذا سيتصف هؤلاء بالتناقض في الشخصية[19].
3- تزايد الأولاد غير الشرعيين
إن تزايد هذه الظاهرة في أي مجتمع يقلص من درجة الاطمئنان بهذا المجتمع، ويُفقد الأمة عظمة شخصيتها، وقد تزيد مصاريفُ الدولةِ تجاهَ هؤلاء لحماية أولادٍ فاقدي الجنسية والهوية حتى سن البلوغ، ومع الأسف الشديد نرى أن الدولَ العظمى قد وقعت في فخ هذه الظاهرة، حيث يوجد في العالم حوالي 90 مليون شاب مطرودون من العوائل، وهؤلاء دون سن الثلاثين، وهم يتسكعون في الطرقات، ومشردون في الحانات والشوارع. وفي أمريكا يُولد ولدٌ غير شرعي في كل أربعة أولاد، و في العام 1979 وُلد أكثر من 597 ولداً غير شرعي[20]. وفي السويد يولد كل سنة 27 ألف طفل غير شرعي. والضرائب المفروضة على الناس لحماية المشردين في بريطانيا تبلغ 20 مليار دولار سنويًّا[21].
وقد تزايد في الغرب ما بين عام 1970 إلى عام 1988 عدد الأولاد غير الشرعيين الناتج من ارتباطات خارج الأطر القانونية للزواج. وفي السويد قد تزايدت نسبة هؤلاء من 17% في العام 1970 إلى 51 % في العام 1988.
ونرى في الثمانينات أن خمسة عشر بالمئة من الأولاد في أوروبا غير شرعيين، وهذه النسبة تصل إلى أدنى مستوياتها في الدول الكاثوليكية.
4- ازدياد الجرائم
إن أولادَ الأسرِ المفككة يمضون أكثرَ أوقاتِهم في ارتكاب الجرائم، ووفقَ الإحصائيات فإن تسعين في المئة من المراهقين والشباب (من أعمار 14 إلى 25 سنة) قد تخرجوا من الأسر المفككة والمنهارة.
إن الدراسات تشير إلى أن 2447 (ألفين وأربعمائة وسبع وأربعين) من كبار السن في بريطانيا الذين أصيبوا بالانهيار في حياتهم الأسرية، قد واجهوا متاعبَ كثيرة في المجتمع، ممّا أدّى إلى المشاكل في التعليم، وابتلائهم بالمخدرات، والكحول، والمشاكل الاقتصادية، وكثرة القروض وعدم توفير العمل لهم[22]. إن حصةَ الأولاد غير الشرعيين في الجرائم والعنف ليست بقليلة، بل يقع هؤلاء في مرمى أطماع المجرمين في العالمِ. ووفقاً لتحقيقٍ أجرته إحدى مراكز الدراسات الاجتماعية في بريطانيا أنّ سبعين في المئة من المجرمين الشباب يرتبطون بزوجات غير متزوجات، وأن ثلث المسجونين، وأكثر من نصف المجرمين في مراكز الإصلاح والتأهيل والتدريب أيضاً يرتبطون بهذه الأسر[23].
5- تزايد الهبوط في المستوى التعليمي
إن موهلات الأطفال والطاقات العلمية لدى الأسر المفككة لا يُحسد عليها، وقد تُهدر وتَضيع هذه الطاقات بلا رحمةٍ ولا هوادة، وقد يقترب المعدل إلى أدنى مستوياتِه عند هؤلاء الأطفال في المستوى التعليمي ونحن -الأكاديميون- لاحظنا هذه الظاهرة بوضوح، وراقبناها عن كثب، ورأينا أن كثيراً من الشباب الجامعيين المتفوقين يهبط مستواهم العلمي فجأة إلى الحضيض دون سابقة. وبعد البحث تشير النتائج إلى أن هذه الظاهرة تَنُم عن المشاكل في الأسر المنهارة والواقعة على شفا حفرة من النار.