"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه))؛ متفق عليه.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، فقال رجل: يا رسول الله، أنصُرُه إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالمًا، كيف أنصُرُه؟ قال: ((تحجُزُه أو تَمنَعُه من الظُّلمِ؛ فإن ذلك نصرُه))؛ رواه البخاري.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ذكر المؤلِّف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه)).
"لا يؤمن": يعني لا يكون مؤمنًا حقًّا تام الإيمان إلا بهذا الشرط؛ أن يُحِبَّ لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وما يُحِبُّ لنفسه من ترك الشر، يعني ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، هذا هو المؤمن حقًّا، وإذا كان الإنسان يعامِل إخوانه هذه المعاملةَ، فإنه لا يمكن أن يغُشَّهم أو يخونهم، أو يكذب عليهم، أو يعتديَ عليهم، كما أنه لا يحب أن يُفعل به مثل ذلك.
وهذا الحديث يدل على أن من كَرِهَ لأخيه ما يُحِبه لنفسه، أو أحَبَّ لأخيه ما يَكره لنفسه، فليس بمؤمن، يعني ليس بمؤمن كاملِ الإيمان.
ويدل على أن ذلك من كبائر الذنوب؛ إذا أحببتَ لأخيك ما تكره لنفسك، أو كرهتَ له ما تحب لنفسك.
وعلى هذا؛ فيجب عليك - أخي المسلم - أن تربِّيَ نفسك على هذا، على أن تُحِبَّ لإخوانك ما تحب لنفسك حتى تحقِّق الإيمان، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أَحَبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَلَ الجنة، فلْتَأتِهِ مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب أن يأتي إلى الناس ما يُؤتى إليه))، الأول حقُّ الله، والثاني حقُّ العباد، تأتيك المنية وأنت تؤمن باليوم الآخر - نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك - وأن تحب أن يأتي لأخيك ما تحب أن يُؤتى إليك.
وأما حديث أنس الثاني من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا)).
النصر بمعنى الدفاع عن الغير؛ أي: دفع ما يضره، "انصر أخاك"؛ أي: ادفع ما يضُرُّه، سواء كان ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن كان ظالمًا فكيف أنصُرُه؟ ولم يقل: فلا أنصره، بل قال: كيف أنصُرُه؟ يعني سأنصره ولكن أخبِرْني كيف أنصره، قال: ((تمنعه - أو قال: تحجُزُه - من الظلم؛ فإن ذلك نصرُه)).
فإذا رأيت هذا الرجل يريد أن يعتدي على الناس فتمنعه، فهذا نصرُه؛ أي: بأن تمنعه، أما إذا كان مظلومًا، فنصرُه أن تدفع عنه الظالم.
وفي هذا دليلٌ على وجوب نصر المظلوم، وعلى وجوب نصر الظالم، على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.