تُشكّل الرسوم المتحركة جزءاً مهماً من مرحلة الطفولة، فهي تتعدى كونها وسيلة ترفيهية جذّابة إلى أنها وسيلة اتصال بالعالم الخارجي مميّزة ومباشرة، فكل قصة تُعرض فيها تكون بمثابة رحلة مشوقة ترافق الطفل وتأخذه إلى عالم من الخيال يحمل في جعبته أحداثاً مشوقةً، وشخصياتٍ جذابةً تُبهره وتستحوذ على اهتمامه.
الرسوم المتحركة: إيجابيات وتأثيرات مفيدة، لا تحرم طفلك منها
تنطوي مشاهدة الرسوم الكرتونيّة على عدة إيجابيات تُهم الوالدين وتفيد الأطفال، منها الآتي:
وسيلة للتعلّم واكتساب المعرفة
تعلّم الطفل عدداً من المعلومات القيّمة والهادفة وتكسبه مهاراتٍ معرفيةً وأكاديمية متنوعة، لا سيما في مراحل الطفولة المبكرة عند مشاهدة الرسوم الكرتونية الهادفة، مثل: التعرّف إلى الألوان، والأرقام، والأشكال، والحروف، وذلك بأساليب ممتعة ومشوقة تتضمن صوراً متحركة وجذابة، وألواناً جميلةً وزاهيةً، تطوّر المعالجة البصرية للطفل وتطوّر مهارات التفكير لديه.
تنمية الخيال والإبداع
يتمتع مُعظم الأطفال بقدراتٍ ومهارات قد تكون فنيّة أو رياضية أو غيرها، لكنّها مدفونة وتنتظر من ذويهم اكتشافها وتنميتها، وعندما يشاهد الطفل الرسوم الكرتونيّة فإنّه يتشجع ويشعر بالحماس ويُطور سلوكات وهوايات أو يكتشف مواهب واهتمامات جديدة، محاولاً الاستفادة من خبرات شخصياته الكرتونية وخياله الواسع وقدرته على الابتكار والإبداع التي تزداد وتنمو أكثر إذا ما تلقى الاهتمام.
فقد يحاول الطفل رسم شخصياته المفضلة وتلوينها وتصميمها على نحو مختلف، بالإضافة إلى أنه عندما يُشاهد شخصية رياضية كرتونية مميزة مثلاً في كرة قدم، قد يرغب بممارسة هذه الرياضة والتميّز فيها، إذا وُجِد التشجيع والدعم الكافي جنباً إلى جنب مع المهارات والعمل الجاد.
التطوّر اللغوي وتعزيز النمو الحسي والعاطفي
يتعلم الطفل عند مشاهدة الرسوم الكرتونية مجموعة واسعة من المصطلحات الجديدة التي تثري محصوله اللغوي مما يعلق في ذاكرته منها عندما يستمع إليها من شخصياته الكرتونية المفضلة، ويساعده هذا على التعبير وصياغة الجمل على نحو جيد، ويحسّن قدراته على التواصل مع الآخرين.
ومن ناحيةٍ أخرى أيضاً، يتفاعل الطفل عفوياً مع أحداث حلقات الرسوم الكرتونية ومجرياتها، ويُجرّب بها مشاعر مختلفةً كالدهشة، والحزن، والفرح، والتشويق والتعاطف، والحُبّ، والانزعاج، والغضب وغيرها، ما ينعكس إيجاباً على النمو الحسي والعاطفي لديه، فيتعلم التعبير عن مشاعره، والتواصل مع الآخرين على نحو أفضل.
تشجيع التفكير النقدي ومهارة حل المشكلات
تتبلور مهارات الطفل المكتسبة وتزداد قدرته على التفكير على نحو أعمق وربط الحقائق والأفكار ونقد السلوكات عند مشاهدة الرسوم الكرتونيّة، فهو يستخدم عقله وحواسه البصرية والسمعية وقدرته على الاستنتاج والإدراك لفهم المجريات وتحليلها، وهذا ينعكس على ذاكرته وتركيزه، ويُعزز قدرته على حل المشكلات التي تواجهه بربط المسببات بالنتائج والاستفادة مما تعلمه من الرسوم الكرتونية.
تعلّم القيّم النبيلة والسلوكات الحسنة
توجد عدة برامج إلكرتونية هادفة تقدّم محتوى قيّماً ومفيداً من الناحية الأخلاقية وتدعم التنشئة الاجتماعية الحسنة للأطفال باكتساب القيّم النبيلة مثل: حُبّ الخير والتعاون مع الآخرين لتحقيق النجاح والفوز، والتسامح بين الأصدقاء والعفو عن أخطائهم، إضافةً إلى تنمية الحِسّ بالمسؤولية، وتجنّب إلحاق الأذى بالغير أو الكذب، والسرقة، والغش وغيرها من السلوكات المؤذية وغير النبيلة.
الوجه الآخر للرسوم المتحركة وآثارها السلبية في الأطفال
لا بُد للوالدين من أخذ سلبيات الرسوم الكرتونية وأضرارها بالحسبان، والانتباه إليها ومنها الآتي:
عدم القدرة على التفريق بين الخيال والواقع
يطغى الخيال على مُعظم الرسوم الكرتونية التي تستحوذ على انتباه الطفل ويندمج معها بشدة، ونظراً إلى محدودية تفكيره ووعيه الكامل بالحقائق، فقد يتوهم ويظن أنّ ما يحدث في هذه الرسوم يُمكن أن يحدث في حياته، وقد يعتقد بأنّه قويّ أو خارق وقادر على ممارسة سلوكات غير واقعيّة قد تُلحق به الأذى.
التحريض على العنف والعدوانية
تتفاوت جودة المحتوى الذي تُقدّمه الرسوم الكرتونية وتختلف من برنامجٍ إلى آخر، فبعض البرامج تتدنى جودتها ومستواها الأخلاقي، وتتضمن عدداً من السلوكات المُضللة، التي لا ترقى إلى كونها رسوماً مخصصةً للأطفال، ومنها البرامج التي تحتوي على مشاهد مخيفة أو عنيفة تحرض الطفل على العدوانية، والكراهية، والإساءة إلى الآخرين، وغيرها من السلوكات الواجب الحذر من مشاهدة الطفل لها وبالمقابل توعيته بآثارها السلبية.
تعلّم سلوكيات وألفاظ مسيئة
لا تقتصر سلبيات الرسوم الكرتونية المُضللة على محتواها العنيف بل قد تتخللها مصطلحات وألفاظ مسيئة أو بذيئة تسيء إلى الآخرين أو تسخر منهم، أو تتعمد التنمّر عليهم والتعدي على حقوقهم والتمييز بينهم، أو تفضيل الخطأ على الصواب وعلوّ الشر على الخير،وتمثل هذه المعتقدات المدسوسة خطراً حقيقياً على شخصية الطفل وأخلاقه، وقيمه، وعلاقاته الاجتماعية.
قِلة التواصل الفعّال مع الوالدين
يُمكن أن يتسبب الإفراط في مشاهدة الرسوم الكرتونية عبر شاشة التلفاز بقِلة التفاعل بين الوالدين والطفل وعدم الاستجابة لهما كما يجب، بالإضافة إلى التأثير السلبي من الناحية العاطفية وتطوّر العلاقات الاجتماعية بين الطفل وذويه، في حين يُفترض توزيع الوقت على نحو مناسب بين اللعب والتواصل مع الوالدين وبقية الأسرة، وممارسة الهوايات المختلفة لتطوير المهارات الشخصيّة والاجتماعية بصورةٍ مثالية.
ختاماً، لا بُد من خضوع الرسوم الكرتونية إلى رقابة الوالدين؛ لأنّها ذات حدين، ولها تأثير كبير في شخصيّة الطفل على المدى البعيد من جهة الأفكار التي تزرع داخله والأهداف والقيم التي يكتسبها، بالتالي يجب على الأهالي اختيار البرامج المناسبة لأبنائهم ومراعاة تناغمها مع الفئة العمرية لهم، والتحقق من محتواها بمشاهدتها أولاً قبل عرضها على الأبناء، وكذلك الاطلاع على تقييم الأهالي الآخرين لها.