تمني الموت
يفرق الفقهاء في حكم تمني الموت بين حالين. الأولي: تمني الموت خشية الفتنة في الدين. أو شوقاً إلي لقاء الله. الحال الثانية: تمني الموت لضيق العيش أو لعدم الصبر علي بلاء الدنيا. ونوضح ذلك فيما يلي:
1- المقصود بتمني الموت خشية الفتنة في الدين هو أن يرغب المسلم في الموت إذا خير بين الحياة المشوبة أو المخالطة بالمعاصي وبين الموت. فإنه يختار الموت. خوفاً من معصية الله. فالموت علي الطاعة أفضل من زيادة العمر مع المعصية.
والمقصود بتمني الموت شوقاً إلي لقاء الله هو أن يرغب المسلم في الموت إذا تذكر يوم القيامة وما فيه من عدل مطلق. ورحمة لله سبحانه. فاشتاق لعدل الله ورحمته. أو إذا تذكر الأنبياء والصديقين. فاشتاق لرؤيتهم. فتمني الموت لذلك.
وقد أجاز الفقهاء بغير خلاف تمني الموت مع هذا المقصد الشريف الذي يرجو صاحبه الخروج من الدنيا بغير فتنة أو شوقاً للقاء الله وعدله المطلق. لما أخرجه الإمام أحمد من حديث محمود بن لبيد. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتن. ويكره قلة المال. وقلة المال أقل للحساب". قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا الحديث: فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت. ولهذا قال علي بن أبي طالب في آخر خلافته لما رأي أن الأمور لا تجتمع له. ولا يزداد الأمر إلا شدة. قال: "اللهم خذني إليك فقد سئمتهم وسئموني". وأخرج الإمام صلي الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم إني مالك في "الموطأ" أنه بلغه أن النبي أسألك فعل الخيرات. وترك المنكرات. وحب المساكين. وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون". وهذا واضح في تمني الموت عند الفتنة.
2- أما المقصود بتمني الموت لضيق العيش. أو لشدة الابتلاء فهو أن يكره الإنسان الحياة لمكابدته فيها بحسب أصل الخلقة. كما قال تعالي: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" "البلد: 4". وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن تمني الموت لشدة من الزمان. أو ضرر يلحق بالإنسان. لما فيه من الجزع وعدم الصبر علي القضاء. ومن تلك الأحاديث ما أخرجه الحاكم وصححه. عن أم الفضل. أن رسول الله صلي الله عليه وسلم. دخل عليهم وعباس عم رسول الله صلي الله عليه وسلم. يشتكي. فتمني عباس الموت. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يا عم لا تتمن الموت. فإنك إن كنت محسناً. فإن تؤخر تزداد إحساناً إلي إحسانك خيراً لك. وإن كنت مسيئاً. فإن تؤخر فتستعتب من إساءتك خيراً لك. فلا تتمن الموت". وأخرج الشيخان عن أنس. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به. فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي. وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي". يقول الصنعاني: وفي قوله: "فإن كان لابد متمنياً" يعني إذا ضاق صدره. وفقد صبره عدل إلي هذا الدعاء. وإلا فالأولي له أن لا يفعل ذلك.
وينبغي علي الإنسان أن يترك أجله لله. ولا يضيق من شدة الابتلاء. بل يصبر وله بذلك الأجر. بل عليه أن يفرح بطول عمره. ويدعو الله به. ليتمكن من العمل الصالح. والصبر علي المكاره. فقد أخرج الحاكم بإسناد صحيح. عن أبي بكرة. أن رجلاً قال: يا رسول الله. أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله". قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله". ويقول تعالي: "للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" "الزمر: 10". وقال تعالي: "ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع والنقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" "البقرة: 157-155".
وبهذا يتضح أن الشريعة الإسلامية تري طول العمر نعمة تستحق الشكر. وعلي كبار السن أن يفرحوا بنعمة الله عليهم. وأن يكون دعاؤهم إلي الله سبحانه أن يوفقهم لمزيد من حسن العمل. وليس تمنياً للموت.