السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طهارة القلب
طهارة القلب شرط دخول الجنة ، لذا ذم الله خبثاء القلوب فقال :
﴿ أُولِئك الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ في الدُّنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيْمٌ﴾
y]المائدة : 41 ]، والآية دليل دامغ على أن من لم يطهِّر قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا
والعذاب في الآخرة ، ولهذا حرَّم الله سبحانه الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من خبث ،
قال صلى الله عليه وسلم : « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ».
ولا يدخلها أحد إلا بعد كمال طيبه وطهره ، لأنها دار الطيبين ، ولذا يُقال لهم
وهم على مشارف الجنة﴿ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [ الزمر : 73 ].
ويُبشَّرون عند موتهم دون غيرهم على لسان الملائكة :
﴿ الّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجنَّةَ بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ ﴾[ النحل : 32 ].
قال ابن القيِّم : " فالجنة لا يدخلها خبيث ، ولا مَن فيه شيء من الخبث ، فمن تطهَّر في الدنيا
ولقي الله طاهراً من نجاساته دخلها بغير معوِّق ، ومن لم يتطهر في الدنيا ؛ فإن كانت نجاسته عينية
كالكافر لم يدخلها بحال ، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة ،
ثم يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ،
فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة ، ولم توجب لهم دخول النار ،
حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أُذِن لهم في دخول الجنة " .
من أجل ذلك جاء الأمر جازما للنبي صلى الله عليه وسلم :﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾[ المدثر : 4 ].
قال ابن القيِّم : " وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ها هنا القلب ،
والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق " .
النجاسة الكبرى
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [ التوبة : 9 ]
فعبَّر سبحانه وتعالى عن نجاستهم بالمصدر للمبالغة ؛ وكأنهم عين النجاسة لأن خبائث الباطن أولى
بالاجتناب وهل أخبث من الشرك؟! فإن خبائث القلب مع خبثها في الحال مهلكات في المآل ،
ومعنى آخر : هو أن الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظاهر ، فالمشرك قد يكون نظيف
الثوب مغسول البدن ولكنه نجس القلب ، وهذا الذي ذهب إليه أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر
ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
من فعله وقوله ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده.
وإضافة إلى هذا ؛ فالنجاسات المعنوية ليست على درجة واحدة بل تتفاوت ،
وليس محلها قلوب الكفار فحسب ، بل قد توجد في قلوب المسلمين ، فالغضب والكبر والحسد
وغيرها من أمراض القلوب نجاسة ، وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد قال :
« لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة » ، فإن أبا حامد الغزالي [ ت : 505 ]
قد تأمل في هذا الحديث تأملا قد يكون بعيدا عن الظاهر لكنه ذو دلالة فقال :
" والقلب بيت هو منزل الملائكة ، ومهبط أثرهم ، ومحل استقرارهم ، والصفات الرديئة
مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة ، فأنى تدخله الملائكة
وهو مشحون بالكلاب ، ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة ، وما كان لبشر
أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، وهكذا ما يرسل
من رحمة العلوم إلى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها ، وهم المقدسون المطهرون المبرءون
عن الصفات المذمومات ، فلا يلاحظون إلا طيبا ، ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله
إلا طيبا طاهرا " .