[size=32]
مالت الشمس نحو المغيب
وبدأت تختفى فى هدوء عن الأنظار وكأنها لا تريد ان تترك السماء وترحل
ومن خلف احدى الشرفات جلس رجل كهل تجاوز السبعين عاما
ينظر فى هدوء الى هذا المنظر البديع
وقطع صمت المكان ورهبته ذلك الصوت الذى جاء من خلف العجوز
الا زلت تتابع غروب الشمس ؟؟
التفت العجوز الى محدثه وهو يبتسم ابتسامه باهته ويقول :
الغروب اصبح امنيه لمثل من فى عمرى الأن
كان الرجل العجوز هو الحاج محمود ومحدثه هو الأستاذ محسن مدير دار رعاية كبار السن
او ما يطلقوا عليه دار المسنين
سحب الأستاذ محسن كرسى وجلس بجوار الحاج محمود
وقال :
الا زلت تشعر بغربة المكان ؟؟
تنهد الحاج محمود تنهيده حاره وقال له :
وما تظن بعد ان قضيت عمرى بأكمله فى خدمه ابنائى وفى منزلى الذى اعشق كل ركن فيه
يأتى ابنائى فى النهايه ولمجرد مرضى لم تتحمل زوجاتهم خدمتى
واعتبرونى حملاً ثقيلا لابد من التخلص منه
ووضعونى هنا حتى افارق الحياه بعيدا عنهم فى هدوء
نظر اليه الأستاذ محسن محاولا تخفيف الموقف
وقال له :
لا تقل هذا
قريبا يأتى اولادك لرؤيتك وربما اخذوك معهم
ابتسم الحاج محمود فى اسى وقال انك لا تعرفهم
انهم لن يعودوا الى هنا مره اخرى
الأستاذ محسن :
لا تقل هذا قريبا سيأتوا اليك
اتعلم يا حاج محمود ..
سأقول لك شئ لم اقوله لأحد هنا من النزلاء
انا مدير لهذه الدار منذ اكثر من ثلاثون عاما
احببت هذا المكان وترانى الأن عمرى مقارب من عمرك
وانا معك هنا ثم ضحك وقال يعنى ممكن تعتبرنى نزيل مثلك
ابتسم الحاج محمود ابتسامه باهته وقال :
ولكنك هنا بأرادتك اما انا فقد وضعنى ابنائى اللذين افنيت عمرى عليهم هنا رغما عنى
ثم اخرج من جيبه صوره تجمعه بشابين
ونظر الى الصوره بشرود وقال :
احمد ومحمد
كم اشتاق اليهم ..
سادت لحظه من الصمت قطعه الأستاذ محسن وقال :
اتريد ان ترى شيئاً ؟
قال الحاج محمود بأهتمام ما هو ؟؟
قام الاستاذ محسن وقال له انتظر قليلا ثم غادر الغرفه وعاد بعد قليل
يحمل صندوقا خشبيا ووضعه امام الحاج محمود وقال :
اتدرى ما هذا ؟؟
هز الحاج محمود رأسه بالنفى وقال :
لا اعلم
قال الأستاذ محسن هذا الصندوق يحتوى على هدايا من جميع النزلاء اللذين
اتوا الى هنا وانا احتفظ بها منذ سنوات طويله
اتريد ان تراها ؟؟
قال له الحاج محمود لو شئت..
فتح الأستاذ محسن الصندوق برفق واخرج منه زجاجه عطر وقال :
اتصدق ان هذه منذ عشرون عاما
ثم وضعها جانبا واخرج قلم زهبى جميل
وقال :
وهذا القلم لا يقدر بثمن اعطاه لى نزيل هنا منذ خمس سنوات
ثم اخرج ورقه ملفوفه كأنها برديه
وفتحها وهو يقول :
اما هذه فهى لوحه رسمها احد النزلاء هنا منذ اكثر من ثلاثون عاماً
ليس لها اى معنى ولكنه اعطاها لى
وقال احتفظ بها
تناولها الحاج محمود برفق
كانت اللوحه عباره عن شجره
تنبت وسط الصحراء
وليس لها سوى غصن واحد مكسور
تأملها الحاج محمود بأهتمام
ولم يسمع كلام الأستاذ محسن وهو يسرد قصة اللوحه وكيف ان صاحبها رفض
ان يقول له معنى هذه اللوحه
وقطع حديثه الدموع
التى بدأت تنهمر من عينى الحاج محمود
صمت الأستاذ محسن وقال:
ما الأمر يا حاج محمود ؟؟
نظر اليه الحاج محمود بعيون مليئه بالدموع وقال:
إعطنى القلم الذهبى ..
مد الأستاذ محسن يده بالقلم
الى الحاج محمود وقال فى حيره :
تفضل ..
مسك الحاج محمود اللوحه وبدأ يرسم فيها
وهنا لم يستطيع الأستاذ محسن الأنتظار
وقام من مكانه وجلس بجواره ليرى ما يفعله باللوحه
كان الرجل بدأ يرسم غصنين مكسورين
اخرين للشجره
قال له الأستاذ محسن ما معنى هذا ؟؟
قال له الحاج محمود بعيون متفحمه
اترى هذا التوقيع اسفل اللوحة ؟؟
قال له الأستاذ محسن نعم اراه ماذا به ؟؟
كان هناك توقيع هرمى مميز جدا
تشابكت حروفه
بطريقه رائعه وكأنها لوحه وليست توقيع
استطرد الحاج محمود كلامه وقال :
بصوت متهدج :
هذا توقيع ابى ...
نظر اليه الأستاذ محسن بزهول
وقال ابيك ؟؟
اومأ الحاج محمود برأسه وقال
نعم انه توقيع ابى
ثم استطرد بدموع منهمره
اتعلم ما كان يقصد باللوحه ؟؟
كان يقصد انه الشجره التى اصبحت بلا رعايه
وانا كنت ابنه الوحيد...
ابنه الذى وضعته هنا منذ ثلاثون عام
كنت الغصن المكسور
والأن
تكسرت اغصانى ..
وانهمرت دموعه وتساقطت لتغطى اغصان الشجرة ..
[/size]