إن المسلم في طريقه إلى الله تعالى تعرض لها أوقات طيبة
مثل رمضان والعشر من ذي الحجة ويومي عاشورا وعرفات وغيرها من المواسم التي تضاعف فيها الحسنات
فيُكثر فيها من العبادة ويطيبُ قلبُه بها،
ثم ما يلبث أن يفتر قليلا
دون ان يفرط في الفرائض
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحالة
وبيّن الواجب فيها كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ، فمن كانَت فَترتُهُ إلى سنَّتي، فَقد أفلحَ، ومَن كانت إلى غيرِ ذلِكَ فقد هلَكَ»
(مسند أحمد، وصححه الألباني).
وقد وصف ابن القيم رحمه الله هذه الحالة وما قد يعقبها فقال:
"فإن قلتَ: كل مُجّد في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه.
قلتُ: لا بد من ذلك
ولكن صاحب الوقفة له حالان:
إما أن يقف ليجم نفسه ويعدها للسير، فهذا وقفته سير ولا تضره الوقفة
فإن لكل عمل شرّة ولكل شرّة فَترة،
وإما أن يقف لداعٍ دعاه من ورائه وجاذبٍ جذبه من خلفه فإن أجابه أخّره ولا بد،
فإن تداركه الله برحمته وأطلعه على سبقِ الركب له وعلى تأخره:
نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع ووثب وجمز واشتد سعيًا ليلحق الركب،
وإن استمر مع داعي التأخر وأصغى إليه لم يرضَ برده إلى حالته الأولى من الغفلة
وإجابة داعي الهوى حتى يرده إلى أسوأ منها وأنزلَ دركًا؛
وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض فإنها أخطر منه وأصعب.
وبالجملة: فإن تدارك الله سبحانه وتعالى
هذا العبد بجذبة منه من يد عدوه وتخليصه وإلا فهو في تأخر إلى الممات راجع القهقرى ناكص على عقبيه أو مُولٍ ظهره
ولا قوة إلا بالله والمعصوم من عصمه الله".
وقال رحمه الله في موضعٍ آخر:
"فتخلُّل الفترات للسالكين أمر لا بد منه،
فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله فى مُحرم،
رُجى له أن يعود خيرًا مما كان،
مع أن العبادة المحببة إلى الله سبحانه وتعالى هى ما داوم العبد عليه".