لم تشتعل
اخرج من معطفه علبة السجائر وعلبة الثقاب ....
تأمل كثيرا قبل ان يشعل لفافة تبغه الاولى في هذا اليوم ,,,,
الجو بارد ... لا استطيع ... ارجوك ... اشتعلي بسرعة ,,,, حاول ... وحاول ....ثم رماها ...قتيلة على الارض ,,,,
سحب لفافة أخرى ... ما بك ... اشتعلي ,,,, هاهو عود الثقاب مشتعل .... اشتعلي ايتها الحمقاء .... يخاطبها وكأنها زوجته او صديقته ,,,,
نعم هي حقا ,,,, صديقته ...خمسة وثلاثون عاما .... عمر طويل ,,, منذ ان كان في الرابعة عشرة وضع اول لفافة في فمه ... يومها كان يهرب من نظرات ابيه ... وكأن الذي يدخن يكتب على جبينه انه مدخن ,,,, وصاحبته تلك اللفافة طيلة حياته ....
واليوم تلك الملعونة لا تريد ان تشتعل ....
قرر اخيرا وبعد ان رمى اربعة سجائر ... ان يشتري علبة سجائر جديدة .... وبالفعل اشترى .... وكسابقتها ... لم تشتعل اي لفافة من التي حاول اشعالها ,,,,
خطر في باله ان نوعية الدخان التي يدخنه مضروب في البلد ... سوف اشتري علبة سجائر من نوعية اخرى ,,,, وفعل ...وكما حصل من قبل ... لم تشتعل ,,,,
الجو بارد ... ربما عندما أصل الى البيت سوف تشتعل ,,,, ووصل البيت ... ولاشيئ جديد ... لم تشتعل ....
وللحظات لمعت في عقله قصة سيدنا ابراهيم ,,,, يا نار كوني بردا وسلاما ... فابتسم ,,,, هل من المعقول ذلك ,,,, عود الثقاب ,,,, قفز الى المطبخ ..... احضر ولاعة المطبخ ... اشعلها .... اشتعلي ايتها اللعينة ... اشتعلي .... رماها كسابقيها ,,,,,,, صريعة منكسرة .....
يا الله .... ماهي المشكلة .... لا استطيع التفكير .... لانني تعودت ان اجمع افكاري واسحبها مع غيمات الدخان التي تصدرها لفافة تبغي .....هي اخر من بقي لي ... كانت تسليتي الاولى والاخيرة ...
لا بدلي من ان استعين بصديق ... صوت خطواته على الدرج ,,, مسرعا ... الى بائع خضروات الحي ابو احمد ... ارجوك من فضلك ساعدني ... امسك هذه اللفافة ... باستغراب شديد ابو احمد يمسكها ,,, اشعلها ,,,, يشعلها ,,,, الله اكبر ... انها تشتعل .... انها تصدر دخانا ,,,, ارجوك ابو احمد جرب واحدة اخرى ,,,, تشتعل ويدخن ,,,, ؟؟؟؟ اعطني اياها ... يحاول .... لاشيئ ... امسك ابو احمد ...جرب ... انت تستطيع تدخينها وانا لا استطيع ... المشكلة ليست في اللفافة ولا في عود الثقاب ,,,, المشكلة في المدخن نفسه ....يتزن كالامير .... شكرا ابو احمد ...
يعود الى البيت .... لا مشكلة منذ زمن بعيد قررت ان اترك تلك اللعينة واتى الوقت لذلك ... لن تكوني همي الاول والاخير ,,,, ولن تقتلي كبريائي ... ولن تكسري في داخلي ذاك الانسان ...
من استطاع ان ينسى زوجته واطفاله الاربعة ... ومن استطاع ان ينسى من الذي قتلهم .,,,, ومن استطاع ان ينسى حقده لتلك القنبلة الطائشة التي تركته وحيدا في الدنيا ,,,,, يستطيع ان ينسى انه نسي كيف يدخن ......
شد الغطاء على وجه ... ونام .... ببرود .... ينتظر الغد ... وينسى ما حصل اليوم ..... بأن لفافة تبغه ...لم تشتعل !!!..